الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: إذ أنتم بالعدوة الدنيا قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو: "بالعدوة" و"العدوة" العين فيهما مكسورة . وقرأ نافع ، وعاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي: بضم العين فيهما . قال الأخفش: لم يسمع من العرب إلا الكسر . وقال ثعلب: بل الضم أكثر اللغتين . قال ابن السكيت: عدوة الوادي وعدوته: جانبه; والجمع: عدى وعدى . والدنيا: تأنيث الأدنى; وضدها القصوى ، وهي تأنيث الأقصى; وما كان من النعوت على "فعلى" من ذوات الواو ، فإن العرب تحوله إلى الياء ، نحو: الدنيا ، من: دنوت; والعليا ، من: علوت; لأنهم يستثقلون الواو مع ضم الأول ، وليس في هذا اختلاف ، إلا أن [ ص: 362 ] أهل الحجاز قالوا: القصوى ، فأظهروا الواو ، وهو نادر; وغيرهم يقول: القصيا قال المفسرون: إذ أنتم بشفير الوادي الأدنى من المدينة ، وعدوكم بشفيره الأقصى من مكة ، وكان الجمعان قد نزلا وادي بدر على هذه الصفة ، والركب: أبو سفيان وأصحابه . قال الزجاج : من نصب "أسفل" أراد: والركب مكانا أسفل منكم ، ويجوز الرفع على معنى: والركب أشد تسفلا منكم . قال قتادة: وكان المسلمون أعلى الوادي ، والمشركون أسفله .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي قوله ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: لو تواعدتم ، ثم بلغكم كثرتهم ، لتأخرتم عن الميعاد ، قاله ابن إسحاق

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: لو تواعدتم على الاجتماع في المكان الذي اجتمعتم فيه من عدوتي وادي بدر لاختلفتم في الميعاد ، قاله أبو سليمان . وقال الماوردي : كانت تقع الزيادة والنقصان ، أو التقدم والتأخر من غير قصد لذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا وهو إعزاز الإسلام وإذلال الشرك .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ليهلك من هلك عن بينة . وروى خلف عن يحيى: "ليهلك" بضم الياء وفتح اللام .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ويحيا من حي عن بينة قرأ أبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي: "من حي" بياء واحدة مشددة ، وهذه رواية حفص عن عاصم ، وقنبل عن ابن كثير . وروى شبل عن ابن كثير ، وأبو بكر عن عاصم: "حيي" بياءين ، الأولى مكسورة ، والثانية مفتوحة ، وهي قراءة نافع . فمن قرأ بياءين ، بين ولم يدغم . ومن أدغم ياء "حيي" فلاجتماع حرفين من جنس واحد . وفي معنى الكلام قولان . [ ص: 363 ] أحدهما: ليقتل من قتل من المشركين عن حجة ، ويبقى من بقي منهم عن حجة .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: ليكفر من كفر بعد حجة ، ويؤمن من آمن عن حجة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية