الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا "ما" بمعنى "الذي" . وفي "لا" قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أنها زائدة ، كقوله: "أن لا تسجد"[الأعراف: 12] .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنها ليست زائدة ، وإنما هي نافية; فعلى هذا القول ، في تقدير الكلام ثلاثة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أن يكون قوله: "أن لا تشركوا" محمولا على المعنى; فتقديره: أتل عليكم أن لا تشركوا ، أي: أتل تحريم الشرك .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أن يكون المعنى: أوصيكم أن لا تشركوا ، لأن قوله: وبالوالدين إحسانا [الإسراء: 23] محمول على معنى: أوصيكم بالوالدين إحسانا ، ذكرهما الزجاج .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: أن الكلام تم عند قوله: حرم ربكم . ثم في قوله: عليكم قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أنها إغراء ، كقوله: عليكم أنفسكم [المائدة:105] . فالتقدير: عليكم أن لا تشركوا ، ذكره ابن الأنباري . [ ص: 148 ] والثاني: أن يكون بمعنى: فرض عليكم ، ووجب عليكم أن لا تشركوا . وفي هذا الشرك قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أنه ادعاء شريك مع الله عز وجل . والثاني: أنه طاعة غيره في معصيته .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ولا تقتلوا أولادكم يريد دفن البنات أحياء . من إملاق أي: من خوف فقر .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن فيه خمسة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أن الفواحش: الزنا ، وما ظهر منه: الإعلان به ، وما بطن: الاستسرار به ، قاله ابن عباس ، والحسن ، والسدي .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أن ما ظهر: الخمر ، ونكاح المحرمات . وما بطن: الزنا ، قاله سعيد بن جبير ، ومجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: أن ما ظهر: الخمر ، وما بطن: الزنا ، قاله الضحاك .

                                                                                                                                                                                                                                      والرابع: أنه عام في الفواحش . وظاهرها: علانيتها ، وباطنها: سرها ، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                      والخامس: أن ما ظهر: أفعال الجوارح ، وما بطن: اعتقاد القلوب ، ذكره الماوردي في تفسير هذا الموضع ، وفي تفسير قوله: وذروا ظاهر الإثم وباطنه [الأنعام:120] . والنفس التي حرم الله: نفس مسلم أو معاهد . والمراد بالحق: إذن الشرع .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية