الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [13] فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين

                                                                                                                                                                                                                                      فبما نقضهم ميثاقهم [ الباء ] سببية و (ما) مزيدة لتأكيد الكلام وتمكينه في النفس. أي: بسبب نقضهم ميثاقهم. أو نكرة. أي: بشيء عظيم صدر منهم من نقضهم ميثاقهم المؤكد، الموعود عليه النصر والمغفرة والأجر العظيم لعناهم أي: أبعدناهم عن رحمتنا وجعلنا قلوبهم قاسية بحيث لا تلين لرؤية الآيات والنذر، ولا تتعظ بموعظة، لغلظها وقساوتها لغضب الله عليهم، وبقيت تلك القساوة واللعنة في ذريتهم: يحرفون الكلم أي: كلم الله في التوراة، بصرف ألفاظه أو معانيه عن مواضعه التي أنزلت.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن كثير: أي: فسدت فهومهم، وساء تصرفهم في آيات الله، وتأولوا كتابه على غير ما أنزله، وحملوه على غير مراده، وقالوا عليه ما لم يقل. عياذا بالله من ذلك. قال أبو السعود: والجملة استئناف لبيان مرتبة قساوة قلوبهم. فإنه لا مرتبة أعظم مما [ ص: 1917 ] يصحح الاجتراء على تغيير كلام الله عز وجل، والافتراء عليه. وقيل: حال من مفعول (لعناهم).

                                                                                                                                                                                                                                      ونسوا حظا مما ذكروا به أي: تركوا نصيبا وافرا مما أمروا به في التوراة، ترك الناسي للشيء لقلة مبالاته بحيث لم يكن لهم رجوع عليه. أو من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم ولا تزال تطلع على خائنة منهم أي: خيانة. على أنها مصدر ك (لاغية وكاذبة). أو طائفة خائنة. يعني: أن الغدر والخيانة عادة مستمرة لهم ولأسلافهم، بحيث لا يكادون يتركونها أو يكتمونها. فلا تزال ترى ذلك منهم.

                                                                                                                                                                                                                                      قال مجاهد وغيره بذلك تمالؤهم على الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      إلا قليلا منهم وهم المؤمنون منهم فاعف عنهم واصفح أي: لا تعاقبهم.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن كثير: هذا موجب النصر والظفر. كما قال عمر: ما عاملت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه. وبهذا، يحصل لهم تأليف وجمع على الحق. ولعل الله يهديهم.

                                                                                                                                                                                                                                      ولهذا قال تعالى: إن الله يحب المحسنين يعني به الصفح عمن أساء؛ فإنه من باب الإحسان.

                                                                                                                                                                                                                                      تنبيه:

                                                                                                                                                                                                                                      قال بعض المفسرين: في هذا دلالة على جواز التحليف على الأمور المستقبلة. وأخذ الكفيل على الحق الذي يفعل في المستقبل. وفي قوله تعالى: فبما نقضهم ميثاقهم إلخ، دليل على تأكيد الميثاق، وقبح نقضه، وأنه قد يسلب اللطف المبعد من المعاصي. ويورث النسيان، ولهذا قال تعالى: ونسوا حظا مما ذكروا به وعن ابن مسعود: قد ينسى المرء بعض العلم بالمعصية. انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية