الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
22- قوله تعالى: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلى قوله: غير مسافحين فيه هذه الآيات محرمات النكاح ففيها تحريم نكاح نساء الآباء وشمل ذلك الأجداد فصاعدا من جهة الأب أو الأم من النسب أو الرضاع ومن قال: إن النكاح حقيقة في العقد ، استدل بها على عدم تحريم مزنية الأب ، ومن قال: حقيقة في الوطء استدل بها على تحريمها كما استدل بها على تحريم موطوءته بمالك اليمين ولا عقد فيها ، وفيها تحريم الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت فهذه سبع من النسب ، قال ابن الفرس: ويدخل في الأمهات كل من له عليك ولادة; لأنها أم ، وفي البنات كل من لك عليه ولادة بناء على استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه ، ولا يدخل فيه المخلوقة من زنا; لأنها ليست بنتا شرعا بدليل عدم الإرث وإذا لم تدخل في آية التحريم. دخلت في قوله: وأحل لكم ما وراء ذلكم ومن حرمها قال: هي بنت حقيقة وانتفاء الأحكام من الإرث وغيره لا يدرأ هذه الحقيقة والتحريم يحتاط له ، قال: ودخل في الأخوات الأشقاء وغيرها ، وفي العمات والخالات كل من ولده جدك أو جدتك وإن علوا من قبل الأب والأم ، وفي بنات الأخ وبنات الأخت كل من لأخيك ولأختك عليه ولادة ، وفيها تحريم الأمهات من الرضاعة والأخوات منها فيدخل في الأمهات من أرضعتك أو أرضعتك من ولدك ، أو ولدت مرضعتك أو ولدت صاحب اللبن وإن علون ، ويدخل في الأخوات أخواتك منه وأخوات أبيك وأمك منهما ، وأولاد إخوتك منهما فحرم أيضا من الرضاع سبع كما حرم النسب. وفي الصحيحين "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب". والاقتصار في الآية على نوعين الولادة والأخوة; لأنهما الأصل ، والخمسة الباقية فروع واستدل بعض الظاهرية بها على أنه لا يحرم من الرضاع إلا الأمهات والأخوات فقط دون البنات ونحوها ، واستدل مالك وغيره بقوله: اللاتي أرضعنكم على أن رضاع الرجل والبهيمة لا يحرم وكذا الميتة; لأنها لم ترضع واستدل بعمومها من حرم برضاع الكبير وبمصه ، وفيها تحريم أمهات النساء وإن علون دخل بالزوجة أم لا والربائب وهي بنات الزوجات بشرط أن يكون مدخولا بها فإن لم يدخل بها فلا تحرم خلافا لمن شذ ، واستدل بقوله: اللاتي في حجوركم من لم يحرم نكاح الربيبة الكبيرة. أخرج ابن أبي حاتم بسند صحيح عن مالك بن أوس بن الحدثان قال: توفيت أمرأتي فأخبرت علي بن أبي طالب فقال: لها ابنة؟ قلت: نعم وهي بالطائف ، [ ص: 87 ] قال: كانت في حجرك؟ قلت: لا ، قال: فانكحها. قلت: فأين قول الله: وربائبكم اللاتي في حجوركم قال: إنها لم تكن في حجرك إنما ذاك إذا كانت في حجرك. والجمهور حرموها وقالوا: إنه صفة موافقة للغالب ، ومن قال: إن الأم لا تحرم إلا بالدخول أيضا قال: إنقوله: اللاتي دخلتم بهن عائد إلى الأمهات والربائب معا أخرجه ابن أبي حاتم عن علي وعبد الله بن الزبير ورده المطلقون بأن المجرورين إذا اختلف عاملهما لا يكون نعتها واحدا وفي الآية رد على من حرم الربيبة بغير الوطء من التقبيل ونحوه ، وقد فسر ابن عباس وغيره الدخول هنا بالجماع ، أخرجه ابن المنذر وغيره ، وفيها تحريم الجمع بين الأختين وذلك شامل للزوجين والأميين ، وقد قال عثمان وعلي وابن عباس في الجمع بين أختين مملوكتين أحلتهما آية يعني قوله: إلا ما ملكت أيمانكم وحرمتهما آية وهي هذه ، واستدل بها من أباح الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها لكن الحديث يرده ، وفيها تحريم المحصنات وهن ذوات الأزواج أخرجه ابن أبي حاتم من طريق عطية عن ابن عباس والحاكم من طريق سعيد بن جبير عنه ، واستثنى من ذلك المسبيات إذا كان لهن أزواج بدار الحرب فإنه يحل وطؤهن بعد الاستبراء ففيه دليل على أن السبي يفسخ النكاح سبيا معا أو لا واستدل بعموم الآية من قال: إن انتقال الملك يقطع النكاح ببيع أو إرث أو غير ذلك والجمهور قصروا الآية على السبب الذي نزلت فيه ، وعن ابن عباس في الآية تفسير آخر ، وهو أن المراد بالمحصنات العفائف وأنها حل للرجال إلا ما أنكح مما ملكت يمينه فإنها لا تحل له ، أخرجه ابن أبي حاتم فعلى هذا هي مستأنفة لا معطوفة والأول أولى ، وفيها إحلال من عدا المذكورات ففيه رد على من حرم الجمع بين كل امرأتين بينهما قرابة أو بين امرأة أبيها أو ما ولدت امرأة أبيه بعد أبيه ، وفيها مشروعية المهر وقد استدل بقوله: أن تبتغوا بأموالكم من قال: إن أقل الصداق عشرة دراهم ظنا منه أن المراد أن يصدقها كل واحد ما يسمى صداقا وهو ضعيف جدا ، قال الكيا: وفيه دليل على منع كون عتق الأمة صداقا لدلالة الآية على كون المهر مالا وليس في العتق تسليم مال وإنما في إسقاط الملك من غير أن يستحق به تسليم شيء إليها قال ابن الفرس: وفيه دليل على أن الصداق إذا كان خمرا أو خنزيرا يقتضي فسخ النكاح; لأنهما ليسا من أموالنا. قلت: إنما يدل على فساد الإصداق بهما دون النكاح.

التالي السابق


الخدمات العلمية