الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                فصل أول البدع ظهورا في الإسلام وأظهرها ذما في السنة والآثار : بدعة الحرورية المارقة ; فإن أولهم قال للنبي صلى الله عليه وسلم في وجهه : اعدل يا محمد فإنك لم تعدل وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلهم وقتالهم وقاتلهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب .

                والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مستفيضة بوصفهم وذمهم [ ص: 72 ] والأمر بقتالهم قال أحمد بن حنبل : صح الحديث في الخوارج من عشرة أوجه قال النبي صلى الله عليه وسلم { يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية أينما لقيتموهم فاقتلوهم . فإن في قتلهم أجرا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة } .

                ولهم خاصتان مشهورتان فارقوا بهما جماعة المسلمين وأئمتهم : أحدهما : خروجهم عن السنة وجعلهم ما ليس بسيئة سيئة أو ما ليس بحسنة حسنة وهذا هو الذي أظهروه في وجه النبي صلى الله عليه وسلم حيث { قال له ذو الخويصرة التميمي : اعدل فإنك لم تعدل حتى قال له النبي صلى الله عليه وسلم ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل ؟ لقد خبت وخسرت إن لم أعدل } . فقوله : فإنك لم تعدل جعل منه لفعل النبي صلى الله عليه وسلم سفها وترك عدل وقوله : " اعدل " أمر له بما اعتقده هو حسنة من القسمة التي لا تصلح وهذا الوصف تشترك فيه البدع المخالفة للسنة فقائلها لا بد أن يثبت ما نفته السنة وينفي ما أثبتته السنة ويحسن ما قبحته السنة أو يقبح ما حسنت السنة وإلا لم يكن بدعة وهذا القدر قد يقع من بعض أهل العلم خطأ في بعض المسائل ; لكن أهل البدع يخالفون السنة الظاهرة المعلومة .

                [ ص: 73 ] والخوارج جوزوا على الرسول نفسه أن يجور ويضل في سنته ولم يوجبوا طاعته ومتابعته وإنما صدقوه فيما بلغه من القرآن دون ما شرعه من السنة التي تخالف - بزعمهم - ظاهر القرآن .

                وغالب أهل البدع غير الخوارج يتابعونهم في الحقيقة على هذا ; فإنهم يرون أن الرسول لو قال بخلاف مقالتهم لما اتبعوه كما يحكى عن عمرو بن عبيد في حديث الصادق المصدوق وإنما يدفعون [ عن ] نفوسهم الحجة : إما برد النقل ; وإما بتأويل المنقول . فيطعنون تارة في الإسناد وتارة في المتن . وإلا فهم ليسوا متبعين ولا مؤتمين بحقيقة السنة التي جاء بها الرسول بل ولا بحقيقة القرآن .

                الفرق الثاني في الخوارج وأهل البدع : أنهم يكفرون بالذنوب والسيئات . ويترتب على تكفيرهم بالذنوب استحلال دماء المسلمين وأموالهم وأن دار الإسلام دار حرب ودارهم هي دار الإيمان . وكذلك يقول جمهور الرافضة ; وجمهور المعتزلة ; والجهمية ; وطائفة من غلاة المنتسبة إلى أهل الحديث والفقه ومتكلميهم .

                فهذا أصل البدع التي ثبت بنص سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع السلف أنها بدعة وهو جعل العفو سيئة وجعل السيئة كفرا .

                [ ص: 74 ] فينبغي للمسلم أن يحذر من هذين الأصلين الخبيثين وما يتولد عنهما من بعض المسلمين وذمهم ولعنهم واستحلال دمائهم وأموالهم .

                وهذان الأصلان هما خلاف السنة والجماعة فمن خالف السنة فيما أتت به أو شرعته فهو مبتدع خارج عن السنة ومن كفر المسلمين بما رآه ذنبا سواء كان دينا أو لم يكن دينا وعاملهم معاملة الكفار فهو مفارق للجماعة . وعامة البدع والأهواء إنما تنشأ من هذين الأصلين . أما الأول فشبه التأويل الفاسد أو القياس الفاسد : إما حديث بلغه عن الرسول لا يكون صحيحا أو أثر عن غير الرسول قلده فيه ولم يكن ذلك القائل مصيبا أو تأويل تأوله من آية من كتاب الله أو حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيح أو ضعيف أو أثر مقبول أو مردود ولم يكن التأويل صحيحا وإما قياس فاسد أو رأي رآه اعتقده صوابا وهو خطأ .

                فالقياس والرأي والذوق هو عامة خطأ المتكلمة والمتصوفة وطائفة من المتفقهة .

                وتأويل النصوص الصحيحة أو الضعيفة عامة خطأ طوائف المتكلمة والمحدثة والمقلدة والمتصوفة والمتفقهة .

                [ ص: 75 ] وأما التكفير بذنب أو اعتقاد سني فهو مذهب الخوارج .

                والتكفير باعتقاد سني مذهب الرافضة والمعتزلة وكثير من غيرهم .

                وأما التكفير باعتقاد بدعي فقد بينته في غير هذا الموضع ودون التكفير قد يقع من البغض والذم والعقوبة - وهو العدوان - أو من ترك المحبة والدعاء والإحسان وهو التفريط ببعض هذه التأويلات ما لا يسوغ وجماع ذلك ظلم في حق الله تعالى أو في حق المخلوق كما بينته في غير هذا الموضع . ولهذا قال أحمد بن حنبل لبعض أصحابه : أكثر ما يخطئ الناس من جهة التأويل والقياس .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية