الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                وقال شيخ الإسلام فصل المنحرفون من أتباع الأئمة في الأصول والفروع ; كبعض الخراسانيين من أهل جيلان وغيرهم المنتسبين إلى أحمد وغير أحمد : انحرافهم أنواع : أحدها : قول لم يقله الإمام ولا أحد من المعروفين من أصحابه بالعلم كما يقوله بعضهم من قدم روح بني آدم ونور الشمس والقمر والنيران وقال بعض متأخريهم بقدم كلام الآدميين وخرس الناس إذا رفع القرآن وتكفير أهل الرأي ولعن أبي فلان وقدم مداد المصحف .

                الثاني : قول قاله بعض علماء أصحابه وغلط فيه كقدم صوت العبد ورواية أحاديث ضعيفة يحتج فيها بالسنة في الصفات والقدر ; والقرآن والفضائل ; ونحو ذلك .

                [ ص: 185 ] الثالث : قول قاله الإمام فزيد عليه قدرا أو نوعا كتكفيره نوعا من أهل البدع كالجهمية فيجعل البدع نوعا واحدا حتى يدخل فيه المرجئة والقدرية أو ذمه لأصحاب الرأي بمخالفة الحديث والإرجاء فيخرج ذلك إلى التكفير واللعن أو رده لشهادة الداعية وروايته وغير الداعية في بعض البدع الغليظة فيعتقد رد خبرهم مطلقا مع نصوصه الصرائح بخلافه وكخروج من خرج في بعض الصفات إلى زيادة من التشبيه .

                الرابع : أن يفهم من كلامه ما لم يرده أو ينقل عنه ما لم يقله .

                الخامس : أن يجعل كلامه عاما أو مطلقا وليس كذلك ثم قد يكون في اللفظ إطلاق أو عموم فيكون لهم فيه بعض العذر وقد لا يكون كإطلاقه تكفير الجهمية الخلقية مع أنه مشروط بشروط انتفت فيمن ترحم عليه من الذين امتحنوه وهم رءوس الجهمية .

                السادس : أن يكون عنه في المسألة اختلاف فيتمسكون بالقول المرجوح .

                السابع : أن لا يكون قد قال أو نقل عنه ما يزيل شبهتهم مع كون لفظه محتملا لها .

                [ ص: 186 ] الثامن : أن يكون قوله مشتملا على خطأ .

                فالوجوه الستة تبين من مذهبه نفسه أنهم خالفوه وهو الحق والسابع خالفوا الحق وإن لم يعرف مذهبه نفيا وإثباتا والثامن خالفوا الحق وإن وافقوا مذهبه . فالقسمة ثلاثية ; لأنهم إذا خالفوا الحق فإما أن يكونوا قد خالفوه أيضا أو وافقوه أو لم يوافقوه ولم يخالفوه لانتفاء قوله في ذلك وكذلك إذا وافقوا الحق فإما أن يوافقوه هو أو يخالفوه ; أو ينتفي الأمران .

                وأهل البدع في غير الحنبلية أكثر منهم في الحنبلية بوجوه كثيرة ; لأن نصوص أحمد في تفاصيل السنة ونفي البدع أكثر من غيره بكثير فالمبتدعة المنتسبون إلى غيره إذا كانوا جهمية أو قدرية أو شيعة أو مرجئة ; لم يكن ذلك مذهبا للإمام إلا في الإرجاء ; فإنه قول أبي فلان وأما بعض التجهم فاختلف النقل عنه ولذلك اختلف أصحابه المنتسبون إليه ما بين سنية وجهمية ; ذكور وإناث ; مشبهة ومجسمة ; لأن أصوله لا تنفي البدع وإن لم تثبتها .

                وفي الحنبلية أيضا مبتدعة ; وإن كانت البدعة في غيرهم أكثر وبدعتهم غالبا في زيادة الإثبات في حق الله وفي زيادة الإنكار على مخالفهم بالتكفير وغيره ; لأن أحمد كان مثبتا لما جاءت به السنة ; منكرا على من خالفها مصيبا في غالب الأمور مختلفا عنه في البعض ومخالفا في البعض . [ ص: 187 ] وأما بدعة غيرهم فقد تكون أشد من بدعة مبتدعهم في زيادة الإثبات والإنكار ; وقد تكون في النفي وهو الأغلب كالجهمية ; والقدرية ; والمرجئة ; والرافضة . وأما زيادة الإنكار من غيرهم على المخالف من تكفير وتفسيق فكثير .

                والقسم الثالث من البدع : الخلو عن السنة نفيا وإثباتا وترك الأمر بها والنهي عن مخالفتها وهو كثير في المتفقهة والمتصوفة . [ ص: 188 ]

                التالي السابق


                الخدمات العلمية