الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                وأما ما ذكرت عن الشيخ " نصر " أنه قال : كنت أوثر أن لا يحسوا به إلا وقد خرج خشية أن يعلم فلان وفلان فيطلعوا ويتكلموا .

                فتكثر الغوغاء والكلام فعرفه أن كل من قال حقا : فأنا أحق من سمع الحق والتزمه وقبله .

                سواء كان حلوا أو مرا وأنا أحق أن يتوب من ذنوبه التي صدرت منه ، بل وأحق بالعقوبة إذا كنت أضل المسلمين عن دينهم .

                وقد قلت فيما مضى : ما ينبغي لأحد أن يحمله تحننه لشخص وموالاته له على أن يتعصب معه بالباطل أو يعطل لأجله حدود الله تعالى ، بل قد قال [ ص: 272 ] النبي صلى الله عليه وسلم " { من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في أمره } " .

                وهذا الذي يخافه - من قيام " العدو " ونحوه في المحضر الذي قدم به من الشام إلى ابن مخلوف فيما يتعلق بالاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم - إن أظهروه كان وباله عليهم ودل على أنهم مشركون لا يفرقون بين دين المسلمين ودين النصارى .

                فإن المسلمين متفقون على ما علموه بالاضطرار من دين الإسلام أن العبد لا يجوز له أن يعبد ولا يدعو ولا يستغيث ولا يتوكل إلا على الله ، وأن من عبد ملكا مقربا أو نبيا مرسلا أو دعاه أو استغاث به فهو مشرك .

                فلا يجوز عند أحد من المسلمين أن يقول القائل يا جبرائيل أو يا ميكائيل أو يا إبراهيم أو يا موسى أو يا رسول الله اغفر لي أو ارحمني أو ارزقني أو انصرني أو أغثني أو أجرني من عدوي أو نحو ذلك ، بل هذا كله من خصائص الإلهية .

                وهذه مسائل شريفة معروفة قد بينها العلماء وذكروا الفرق بين حقوق الله التي يختص بها [ دون ] الرسل .

                والحقوق التي له ولرسله ، كما يميز سبحانه بين ذلك في مثل قوله : { وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا } فالتعزير والتوقير للرسول ، والتسبيح بكرة وأصيلا لله .

                [ ص: 273 ] وكما قال : { ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون } .

                فالطاعة لله ولرسوله والخشية والتقوى لله وحده وكما يقول المرسلون : { أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون } فيجعلون العبادة والتقوى لله وحده ويجعلون لهم الطاعة قال تعالى : { وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا } { وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا } { قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا } { قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا } { قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا } .

                وقال تعالى : { فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين } .

                وقال تعالى : { قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير } { ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له } وقال تعالى .

                { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } وقال تعالى : { قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا } { أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا } وقال تعالى : { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون } .

                وقال تعالى : { ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون } { ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون } فمن اتخذ الملائكة والنبيين أربابا فقد كفر بعد إسلامه باتفاق المسلمين ; ولأجل هذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ المساجد على القبور وعن أن يجعل لله ندا في خصائص الربوبية : ففي الصحيحين عنه أنه قال : " { لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد } " يحذر ما فعلوا وفي الصحيح عنه أنه قال : " { إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك } وفي السنن عنه أنه قال : " { لا تتخذوا قبري عيدا } " .

                وروي عنه أنه قال : " { اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد } " .

                { وقال له رجل : ما شاء الله وشئت ، فقال : أجعلتني لله ندا ؟ قل ما شاء الله وحده } " .

                ولهذا قال العلماء : من زار قبر النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا يستلمه ولا يقبله ولا يشبه بيت المخلوق ببيت الخالق : الذي يستلم ويقبل منه الركن الأسود ويستلم الركن اليماني .

                ولهذا اتفق العلماء على أنه لا يشرع تقبيل شيء من الأحجار ولا استلامه - إلا الركنان اليمانيان - حتى " مقام إبراهيم " الذي بمكة لا يقبل ولا يتمسح به فكيف بما سواه من المقامات والمشاهد [ ص: 275 ] وأنت لما ذكرت في ذلك اليوم هذا قلت لك هذا من أصول الإسلام .

                فإذا كان القاضي لا يفرق بين دين الإسلام ودين النصارى الذين يدعون المسيح وأمه فكيف أصنع أنا ؟ .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية