الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 150 ] ويستحب أن يأتي مسجد قباء ويصلي فيه فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من تطهر في بيته وأحسن الطهور ثم أتى مسجد قباء لا يريد إلا الصلاة فيه كان له كأجر عمرة } . رواه أحمد والنسائي وابن ماجه . وقال النبي صلى الله عليه وسلم { الصلاة في مسجد قباء كعمرة } قال الترمذي حسن .

                والسفر إلى المسجد الأقصى والصلاة فيه والدعاء والذكر والقراءة والاعتكاف مستحب في أي وقت شاء سواء كان عام الحج أو بعده . ولا يفعل فيه وفي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما يفعل في سائر المساجد . وليس فيها شيء يتمسح به ولا يقبل ولا يطاف به هذا كله ليس إلا في المسجد الحرام خاصة ولا تستحب زيارة الصخرة بل المستحب أن يصلي في قبلي المسجد الأقصى الذي بناه عمر بن الخطاب للمسلمين .

                ولا يسافر أحد ليقف بغير عرفات ولا يسافر للوقوف بالمسجد الأقصى ولا للوقوف عند قبر أحد لا من الأنبياء ولا المشايخ ولا غيرهم . باتفاق المسلمين بل أظهر قولي العلماء أنه لا يسافر أحد لزيارة قبر من القبور .

                ولكن تزار القبور الزيارة الشرعية من كان قريبا ومن اجتاز [ ص: 151 ] بها كما أن مسجد قباء يزار من المدينة وليس لأحد أن يسافر إليه لنهيه صلى الله عليه وسلم أن تشد الرحال إلا إلى المساجد الثلاثة .

                وذلك أن الدين مبني على أصلين : أن لا يعبد إلا الله وحده لا شريك له ولا يعبد إلا بما شرع لا نعبده بالبدع . كما قال تعالى : { فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } .

                ولهذا كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول في دعائه : اللهم اجعل عملي كله صالحا واجعله لوجهك خالصا ولا تجعل فيه لأحد شيئا . وقال الفضيل بن عياض في قوله تعالى { ليبلوكم أيكم أحسن عملا } قال : أخلصه وأصوبه . قيل : يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه ؟ . قال : إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا . والخالص أن يكون لله والصواب أن يكون على السنة وقد قال الله تعالى : { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } .

                والمقصود بجميع العبادات أن يكون الدين كله لله وحده . فالله هو المعبود والمسئول الذي يخاف ويرجى ويسأل ويعبد فله الدين خالصا وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها والقرآن مملوء من هذا . كما قال تعالى : { تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم } [ ص: 152 ] { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين } { ألا لله الدين الخالص } إلى قوله : { قل الله أعبد مخلصا له ديني } إلى قوله : { أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون } . وقال تعالى : { ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله } الآيتين وقال تعالى : { قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم } الآيتين .

                قالت طائفة من السلف : كان أقوام يدعون الملائكة والأنبياء كالمسيح والعزير فأنزل الله تعالى هذه الآية وقال تعالى : { وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون } { لا يسبقونه بالقول } الآيات . ومثل هذا في القرآن كثير ; بل هذا مقصود القرآن ولبه وهو مقصود دعوة الرسل كلهم وله خلق الخلق كما قال تعالى : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } .

                فيجب على المسلم أن يعلم أن الحج من جنس الصلاة ونحوها من العبادات التي يعبد الله بها وحده لا شريك له وأن الصلاة على الجنائز وزيارة قبور الأموات من جنس الدعاء لهم والدعاء للخلق من جنس المعروف والإحسان الذي هو من جنس الزكاة .

                والعبادات التي أمر الله بها توحيد وسنة وغيرها فيها شرك [ ص: 153 ] وبدعة كعبادات النصارى ومن أشبههم مثل قصد البقعة لغير العبادات التي أمر الله بها فإنه ليس من الدين ولهذا كان أئمة العلماء يعدون من جملة البدع المتكررة السفر لزيارة قبور الأنبياء والصالحين وهذا في أصح القولين غير مشروع حتى صرح بعض من قال ذلك أن من سافر هذا السفر لا يقصر فيه الصلاة ; لأنه سفر معصية . وكذلك من يقصد بقعة لأجل الطلب من مخلوق هي منسوبة إليه كالقبر والمقام أو لأجل الاستعاذة به ونحو ذلك فهذا شرك وبدعة كما تفعله النصارى ومن أشبههم من مبتدعة هذه الأمة حيث يجعلون الحج والصلاة من جنس ما يفعلونه من الشرك والبدع ولهذا { قال صلى الله عليه وسلم لما ذكر له بعض أزواجه كنيسة بأرض الحبشة وذكر له عن حسنها وما فيها من التصاوير فقال : أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك التصاوير أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة } .

                ولهذا نهى العلماء عما فيه عبادة لغير الله وسؤال لمن مات من الأنبياء أو الصالحين : مثل من يكتب رقعة ويعلقها عند قبر نبي أو صالح أو يسجد لقبر أو يدعوه أو يرغب إليه . وقالوا : أنه لا يجوز بناء المساجد على القبور ; لأن { النبي صلى الله عليه وسلم قال قبل أن يموت بخمس ليال : إن من كان قبلكم كانوا يتخذون [ ص: 154 ] القبور مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك } . رواه مسلم . وقال : { لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا } وهذه الأحاديث في الصحاح وما يفعله بعض الناس من أكل التمر في المسجد أو تعليق الشعر في القناديل ; فبدعة مكروهة .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية