الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                وذلك أن الله تعالى منذ بعث محمدا صلى الله عليه وسلم وأعزه بالهجرة والنصرة صار الناس ثلاثة أقسام : قسما مؤمنين وهم الذين آمنوا به ظاهرا وباطنا .

                وقسما كفارا وهم الذين أظهروا الكفر به .

                وقسما منافقين وهم الذين آمنوا ظاهرا لا باطنا .

                ولهذا افتتح " سورة البقرة " بأربع آيات في صفة المؤمنين وآيتين في صفة الكافرين . وثلاث عشرة آية في صفة المنافقين .

                وكل واحد من الإيمان والكفر والنفاق له دعائم وشعب . كما [ ص: 434 ] دلت عليه دلائل الكتاب والسنة وكما فسره أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الحديث المأثور عنه في الإيمان ودعائمه وشعبه .

                فمن النفاق ما هو أكبر ويكون صاحبه في الدرك الأسفل من النار ; كنفاق عبد الله بن أبي وغيره ; بأن يظهر تكذيب الرسول أو جحود بعض ما جاء به أو بغضه أو عدم اعتقاد وجوب اتباعه أو المسرة بانخفاض دينه أو المساءة بظهور دينه . ونحو ذلك : مما لا يكون صاحبه إلا عدوا لله ورسوله . وهذا القدر كان موجودا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما زال بعده ; بل هو بعده أكثر منه على عهده ; لكون موجبات الإيمان على عهده أقوى . فإذا كانت مع قوتها وكان النفاق معها موجودا فوجوده فيما دون ذلك أولى .

                وكما أنه صلى الله عليه وسلم كان يعلم بعض المنافقين ولا يعلم بعضهم كما بينه قوله : { وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم } كذلك خلفاؤه بعده وورثته : قد يعلمون بعض المنافقين ولا يعلمون بعضهم . وفي المنتسبين إلى الإسلام من عامة الطوائف منافقون كثيرون في الخاصة والعامة . ويسمون " الزنادقة " .

                وقد اختلف العلماء في قبول توبتهم في الظاهر لكون ذلك لا [ ص: 435 ] يعلم إذ هم دائما يظهرون الإسلام . وهؤلاء يكثرون في المتفلسفة : من المنجمين ونحوهم . ثم في الأطباء . ثم في الكتاب أقل من ذلك . ويوجدون في المتصوفة والمتفقهة وفي المقاتلة والأمراء وفي العامة أيضا . ولكن يوجدون كثيرا في نحل أهل البدع ; لا سيما الرافضة . ففيهم من الزنادقة والمنافقين ما ليس في أحد من أهل النحل . ولهذا كانت الخرمية والباطنية والقرامطة والإسماعيلية والنصيرية ونحوهم من المنافقين الزنادقة : منتسبة إلى الرافضة .

                وهؤلاء المنافقون في هذه الأوقات لكثير منهم ميل إلى دولة هؤلاء التتار ; لكونهم لا يلزمونهم شريعة الإسلام ; بل يتركونهم وما هم عليه . وبعضهم إنما ينفرون عن التتار لفساد سيرتهم في الدنيا واستيلائهم على الأموال واجترائهم على الدماء والسبي ; لا لأجل الدين .

                فهذا ضرب النفاق الأكبر .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية