الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                وسئل عن الرجل يسلم في شيء فهل له أن يأخذ من المسلم إليه غيره . كمن أسلم في حنطة ؟ فهل له أن يأخذ بدلها شعيرا سواء تعذر المسلم فيه أم لا ؟

                التالي السابق


                فأجاب : إذا أسلم في حنطة فاعتاض عنها شعيرا ونحو ذلك : فهذه فيها قولان للعلماء : أحدهما : أنه لا يجوز الاعتياض عن السلم بغيره كما هو مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه .

                والثاني : يجوز الاعتياض عنه في الجملة إذا كان بسعر الوقت أو أقل . وهذا هو المروي عن ابن عباس حيث جوز إذا أسلم في شيء أن يأخذ عوضا بقيمته ولا يربح مرتين . وهو الرواية الأخرى عن أحمد حيث يجوز أخذ الشعير عن الحنطة إذا لم يكن أغلى من [ ص: 519 ] قيمة الحنطة . وقال : بقول ابن عباس في ذلك . ومذهب مالك يجوز الاعتياض عن الطعام والعرض بعرض . والأولون احتجوا بما في السنن . عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره } قالوا : وهذا يقتضي أن لا يبيع دين السلم لا من صاحبه ولا من غيره .

                والقول الثاني أصح وهو قول ابن عباس ولا يعرف له في الصحابة مخالف ; وذلك لأن دين السلم دين ثابت فجاز الاعتياض عنه كبدل القرض وكالثمن في المبيع ; ولأنه أحد العوضين في البيع فجاز الاعتياض عنه ، كالعوض الآخر . وأما الحديث ففي إسناده نظر وإن صح فالمراد به أنه لا يجعل دين السلم سلفا في شيء آخر ; ولهذا قال : { فلا يصرفه إلى غيره } أي لا يصرفه إلى سلف آخر . وهذا لا يجوز لأنه يتضمن الربح فيما لم يضمن وكذلك إذا اعتاض عن ثمن المبيع والقرض فإنما يعتاض عنه بسعره كما في السنن عن { ابن عمر أنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : إنا نبيع الإبل بالنقيع بالذهب ونقبض الورق ونبيع بالورق ونقبض الذهب . فقال : لا بأس إذا كان بسعر يومه إذا افترقتما وليس بينكما شيء } فيجوز الاعتياض بالسعر لئلا يربح فيما لم يضمن . فإن قيل فدين السلم يتبع ذلك فنهي عن بيع ما لم يقبض . قيل : النهي إنما كان في الأعيان لا في الديون .




                الخدمات العلمية