الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 332 ] وسئل رحمه الله هل يجوز له أن يخرق ثوبه كما يخرق ثوبه ؟

                التالي السابق


                فأجاب : وأما القصاص في إتلاف الأموال مثل أن يخرق ثوبه فيخرق ثوبه المماثل له أو يهدم داره فيهدم داره ونحو ذلك .

                فهذا فيه قولان للعلماء هما روايتان عن أحمد : أحدهما : أن ذلك غير مشروع ; لأنه إفساد ولأن العقار والثياب غير مماثلة .

                والثاني : أن ذلك مشروع ; لأن الأنفس والأطراف أعظم قدرا من الأموال وإذا جاز إتلافها على سبيل القصاص ; لأجل استيفاء المظلوم فالأموال أولى .

                ولهذا يجوز لنا أن نفسد أموال أهل الحرب إذا أفسدوا أموالنا كقطع الشجر المثمر .

                وإن قيل بالمنع من ذلك لغير حاجة فهذا فيه نزاع ; فإنه إذا أتلف له ثيابا أو حيوانا أو عقارا ونحو ذلك : فهل يضمنه بالقيمة ؟ أو يضمنه بجنسه مع القيمة ؟ على قولين معروفين للعلماء .

                وهما قولان في [ ص: 333 ] مذهب الشافعي وأحمد .

                فإن الشافعي قد نص على أنه إذا هدم داره بناها كما كانت فضمنه بالمثل .

                وقد روي عنه في الحيوان نحو ذلك وكذلك أحمد يضمن أولاد المغرور بجنسهم في المشهور عنه وإذا اقترض حيوانا رد مثله في المنصوص عنه .

                وقصة داود وسليمان هي من هذا الباب ; فإن داود عليه السلام قد ضمن أهل الحرث الذي نفشت فيه غنم القوم بالقيمة وأعطاهم الماشية مكان القيمة .

                وسليمان عليه السلام أمرهم أن يعمروا الحرث حتى يعود كما كان وينتفعوا بالماشية بدل ما فاتهم من منفعة الحرث .

                وبهذا أفتى الزهري لعمر بن عبد العزيز لما كان قد اعتدى بعض بني أمية على بستان له فقلعوه وسألوه ما يجب في ذلك ؟ فقال : يغرسه كما كان .

                فقيل له : إن ربيعة وأبا الزناد قالا : تجب القيمة فتكلم الزهري فيهما بكلام مضمونه : أنهما خالفا السنة .

                ولا ريب أن ضمان المال بجنسه مع اعتبار القيمة أقرب إلى العدل من ضمانه بغير جنسه وهو الدراهم والدنانير مع اعتبار القيمة ; فإن القيمة معتبرة في الموضعين والجنس مختص بأحدهما ولا ريب أن الأغراض متعلقة بالجنس وإلا فمن له غرض في كتاب أو فرس أو بستان ما يصنع بالدراهم ؟ فإن قيل : يشتري بها مثله قيل : الظالم الذي فوته ماله هو أحق بأن يضمن له مثل ما فوته إياه ; أو نظير ما أفسده من ماله .




                الخدمات العلمية