الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 78 ] وسئل عن الباري سبحانه : هل يضل ويهدي

                التالي السابق


                فأجاب : إن كل ما في الوجود فهو مخلوق له خلقه بمشيئته وقدرته وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وهو الذي يعطي ويمنع ويخفض ويرفع ويعز ويذل ويغني ويفقر ويضل ويهدي ويسعد ويشقي ويولي الملك من يشاء وينزعه ممن يشاء ويشرح صدر من يشاء للإسلام ويجعل صدر من يشاء ضيقا كأنما يصعد في السماء وهو يقلب القلوب ; ما من قلب من قلوب العباد إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن إن شاء أن يقيمه أقامه وإن شاء أن يزيغه أزاغه وهو الذي حبب إلى المؤمنين الإيمان وزينه في قلوبهم وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون .

                وهو الذي جعل المسلم مسلما والمصلي مصليا . قال الخليل { ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك } وقال : { رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي } وقال تعالى : { وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا } وقال عن آل فرعون : { وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار } وقال تعالى : { إن الإنسان خلق هلوعا } { إذا مسه الشر جزوعا } { وإذا مسه الخير منوعا } وقال : { واصنع الفلك بأعيننا ووحينا } وقال : { ويصنع الفلك } .

                والفلك مصنوعة لبني آدم وقد أخبر الله تبارك وتعالى أنه خلقها بقوله : { وخلقنا لهم من مثله ما يركبون } وقال : { والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها } الآيات . وهذه كلها مصنوعة لبني آدم .

                وقال تعالى : { أتعبدون ما تنحتون } { والله خلقكم وما تعملون } فما بمعنى " الذي " ومن جعلها مصدرية فقد غلط لكن إذا خلق المنحوت كما خلق المصنوع والملبوس والمبني دل على أنه خالق كل صانع وصنعته وقال تعالى : { من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا } وقال { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا } وهو سبحانه خالق كل شيء وربه ومليكه وله فيما خلقه حكمة بالغة ونعمة سابغة ورحمة عامة وخاصة وهو لا يسأل عما يفعل وهم يسألون لا لمجرد قدرته وقهره بل لكمال علمه وقدرته ورحمته وحكمته .

                فإنه سبحانه وتعالى أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها وقد أحسن كل شيء خلقه . وقال تعالى : { وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء } وقد خلق الأشياء بأسباب كما قال تعالى : { وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها } وقال : { فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات } وقال تعالى : { يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام }




                الخدمات العلمية