الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ولقد ذكر سبحانه وتعالى سعة علمه سبحانه فقال:

                                                          لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين .

                                                          في الآية السابقة بين سبحانه أن الذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة، وهم مستكبرون فمظهرهم إثم ومخبرهم نكران وجحود، وهنا يبين سبحانه وتعالى أنه يعلم باطنهم الذي تنبعث منه أعمالهم ومظاهرهم: لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون فلا تخفى عليه خافية من أمورهم، وهو مجازيهم بها يوم القيامة الذي أنكروه، وكاشف أمرهم الذي ستروه، لا جرم ذكر الزمخشري أن معناها (حقا) فهي لتأكيد علم الله تعالى بما يسرون وما يعلنون أي ما يخفونه، ولا ينطقون به، وما يظهرون ويجهرون به من معاصي تدل على مقدار عنتهم، ومجابهتهم الحق.

                                                          ونقول: إن لا جرم فيها معنى (حقا) فيها رد لهم؛ لأن معنى جرم كسب و (اللام) تدل على النفي، فالمعنى لا كسب لهم، ولا ثمرة لأعمالهم المكتومة والظاهرة، ويكون المعنى لا كسب لهم فيما يفعلون من إنكار القلوب واستكبار النفوس، لأن الله تعالى يعاقبهم بما أسروا وبما أعلنوا، وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء والله أعلم.

                                                          [ ص: 4156 ] وإن ما يسرون لا يقتصر على إنكار القلوب بل يشمل ذلك وكل ما يبيتون وما يدبرون من شر، وما يمكرون من مكر يقصدون به إيذاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وما يعلنون يشمل المجاهرة بالعصيان، والمعاندة والإصرار على الباطل ومعاندة الحق وأهله لما يشمل قتال المؤمنين وإرادة الذلة لهم، والله يريد العزة للمؤمنين.

                                                          وختم الله تعالى الآية بقوله: إنه لا يحب المستكبرين وهي تشير إلى عذاب الله تعالى لهم، وأن هذا الإنكار من الاستكبار، وذلك لأن النفس المستكبرة متعالية عن الناس وعن الحق، ومع الخضوع والتواضع يكون الإيمان؛ لأن التواضع من غير صفة يكون معه اتساع القلب للحق فيدخله، ومعنى عدم حب الله تعالى أنه لا يكون دانيا منه قريبا إليه، بل لأنه استكبر بعيد عن الله تعالى، وكلما بعد عن الله تعالى لم يشعر بجلاله ولا يذكره، ولا يطمئن قلبه.

                                                          وإنه يترتب على عدم حب الله تعالى للمستكبرين، ألا يغفر لهم؛ لأنهم لا يتوبون، والتوبة باب المغفرة؛ لأن التوبة تدلل على الرجوع إليه سبحانه، والضراعة إلى الله تعالى، والتوسل إليه سبحانه وتعالى، والكبر والتوبة نقيضان لا يجتمعان في قلب مؤمن.

                                                          ولأنهم يستكبرون عن الحق لا يدركونه، ولا يريدونه؛ ولذا قال الله تعالى فيهم:

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية