الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وإنه إذ يعلن هذا النفور الجافي؛ يعلن الابن البار الذي هو مثل سام كريم للأبناء؛ يقول - كما قال الله (تعالى) عنه -: سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا هو يقابل الإساءة بالحسنة؛ ويعذر أباه في إساءته; لأنه في ضلال بعيد؛ وإفك أثيم؛ قد استغرق نفسه؛ وأعمى بصيرته؛ وأصابه بغشاوة على قلبه؛ "سلام عليك "؛ معناه: أمن يفيض عليك؛ وهو تحية له وهو يفارقه؛ ويريد له السلامة في غيبته؛ وأن يكون في أمن؛ فهو يفارقه على مودة؛ وإن كان يقول مقالة القطيعة؛ وقد قال بعض المفسرين: إن ذلك من قبيل قوله (تعالى): وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ؛ [ ص: 4652 ] وربما نرى نحن أن سياق الآية لا يدل على الابتعاد عنه؛ وليس كقوله (تعالى): وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين ؛ لا نرى ذلك؛ لأنه لا ينسجم مع وعده باستغفار الله (تعالى) له؛ كما قال: سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا

                                                          وقد قال الزمخشري : إن استغفار إبراهيم لأبيه كان مشروطا فيه التوبة؛ ونحن نرى أن سياق الآية لا يدل على اشتراط التوبة؛ بل هو استغفار لمشرك؛ كما يشير إلى ذلك قوله (تعالى): ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم

                                                          وهذا النص: سأستغفر لك ربي هو الموعدة التي وعد إبراهيم أباه بها؛ وقوله (تعالى): "سأستغفر "؛ السين لتأكيد الاستغفار في المستقبل القريب؛ إنه كان بي حفيا الضمير يعود إلى "ربي "؛ الذي يكون في موضع عناية؛ واستجابة لي؛ فمعنى إنه كان بي حفيا أي: كنت موضع رحمته وبره؛ وإنه لهذا يظن أنه سيجيب دعائي؛ ولكن تبين له من بعد أنه عدو لله فتبرأ منه.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية