الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ومن لم ينو في رمضان كله لا صوما ولا فطرا فعليه قضاؤه ) [ ص: 370 ] وقال زفر رحمه الله : يتأدى صوم رمضان بدون النية في حق الصحيح المقيم لأن الإمساك مستحق عليه ، فعلى أي وجه يؤديه يقع عنه ، كما إذا وهب كل النصاب من الفقير . ولنا أن المستحق الإمساك بجهة العبادة ولا عبادة إلا بالنية ، وفي هبة النصاب وجد نية القربة على ما مر في الزكاة ( ومن أصبح غير ناو للصوم فأكل لا كفارة عليه ) عند أبي حنيفة رحمه الله . وقال زفر : عليه الكفارة لأنه يتأدى بغير النية عنده . وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله : إذا أكل قبل الزوال تجب الكفارة لأنه فوت إمكان التحصيل فصار كغاصب الغاصب ، ولأبي حنيفة رحمه الله : أن الكفارة تعلقت بالإفساد وهذا امتناع إذ لا صوم إلا بالنية

التالي السابق


( قوله فعليه قضاؤه ) قيل : لا بد من التأويل ، لأن دلالة حال المسلم كافية في وجود النية ، ألا ترى أن من أغمي عليه في ليلة من رمضان يكون صائما يومها ، وإنما يقضي ما بعده بناء على أن الظاهر وجود النية منه فيها ، فلذا أول بأن يكون مريضا أو مسافرا أو متهتكا اعتاد الأكل في رمضان ، ومن حقق تركيب الكتاب وهو قوله : ومن لم ينو في رمضان كله لا صوما ولا فطرا فعليه القضاء ، جزم بأن هذا التأويل تكلف مستغنى عنه ، بخلاف من أغمي عليه فإن الإغماء قد يوجب نسيانه حال نفسه بعد الإفاقة فيبنى الأمر فيه على الظاهر من حاله وهو وجود النية ، إلا أن يكون متهتكا يعتاد الأكل فيفتى بلزوم صومه ذلك اليوم أيضا لأن لا يصلح دليلا على قيام النية ، أما هاهنا فإنما علق وجوب القضاء بنفس عدم النية ابتداء لا بأمر يوجب النسيان ولا شك أنه أدرى بحالته . نعم لو قال : ومن شك أنه كان نوى أو لا أمكن أن يجاب بهذه المسألة بالبناء على ظاهر حاله كما ذكرنا [ ص: 370 ]

( قوله في حق الصحيح المقيم ) قيد بهما لأن المسافر والمريض لا بد لهما من النية اتفاقا لعدم التعين في حقهما .

( قوله كما إذا وهب النصاب من الفقير ) أي على مذهبكم فهو إلزامي من زفر ، فإن إعطاء النصاب فقيرا واحدا عنده لا يقع به عن الزكاة . وثمرة الخلاف تظهر أيضا في لزوم الكفارة بالأكل فيه عند زفر تجب مطلقا ، وعند أبي حنيفة لا تجب مطلقا ، وعندهما التفصيل بين أن يأكل قبل الزوال فتجب أو بعده فلا ، وهي المسألة التي تلي هذه ، ومنهم من جعل محمدا مع أبي حنيفة .

( قوله ولأبي حنيفة رحمه الله أن الكفارة تعلقت بالإفساد وهذا امتناع ) عنه لا إفساد لأنه يستدعي سابقة الشروع إلا أن [ ص: 371 ] لأبي يوسف أن يقول : الثابت في الشرع ترتيبها على الفطر في رمضان إذ اسم الفطر لا يستدعي سابقة الصوم ، يقال : أفطرت اليوم وكان من عادتي صومه . إذا أصبح غير ناو ثم أكل سلمناه لكن الإمساكات الكائنة في وقت النية من النهار ليس لها حكم الفطر ، كما أن ليس لها حكم الصوم فيتحقق الفطر بالأكل إذا ورد عليها ، إلا أن هذا يقتصر على ما إذا أكل قبل نصف النهار . والذي أظنه أن الملحوظ لكل من أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله واقعة الأعرابي المروية في الكفارة لما كانت في فطر بما هي مشتهى حال قيام الصوم هل يفهم ثبوتها في فطر كذلك قبل الشروع ، ففهمه أبو يوسف رحمه الله ، وفهم أبو حنيفة عدمه إذ لا شك في أن جناية الإفطار حال قيام الصوم أقبح منها حال عدمه ، فإلزام الكفارة في صورة الجناية التي هي أغلظ لا يوجب فهم ثبوتها فيما هو دون ذلك خصوصا مع الاتفاق على عدم إلغاء كل ما زاد على كونه فطرا جناية في صورة الواقعة للاتفاق على عدم الكفارة مع قيام الفطر لعدم الجناية في ابتلاع الحصى ونحوه . وروى الحسن عن أبي حنيفة فيمن أصبح لا ينوي الصوم ثم نواه قبل الزوال ثم جامع في بقية يومه لا كفارة فيه ، وروى عن أبي يوسف أن عليه الكفارة . وجه النفي شبهة الخلاف في صحة الصوم بنية من النهار ، وفي المنتقى فيمن أصبح ينوي الفطر ثم عزم على الصوم ثم أكل عمدا لا كفارة فيه عند أبي حنيفة خلافا لأبي يوسف ، والكلام فيهما واحد




الخدمات العلمية