الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( وإذا تسحر وهو يظن أن الفجر لم يطلع فإذا هو قد طلع ، أو أفطر وهو يرى أن الشمس قد غربت فإذا هي لم تغرب أمسك بقية يومه ) قضاء لحق الوقت بالقدر الممكن أو نفيا للتهمة ( وعليه القضاء ) لأنه حق مضمون بالمثل ، كما في المريض والمسافر ( ولا كفارة عليه ) لأن الجناية قاصرة لعدم القصد ، [ ص: 373 ] وفيه قال عمر رضي الله تعالى عنه : ما تجانفنا لإثم ، قضاء يوم علينا يسير ، والمراد بالفجر الفجر الثاني ، وقد بيناه في الصلاة

التالي السابق


( قوله وهو يرى ) على البناء للمفعول من الرأي بمعنى الظن لا الرؤية بمعنى اليقين كقوله رأيت الله أكبر كل شيء أي علمته ، ولو صيغ منه للفاعل مرادا به الظن لم يمتنع في القياس لكنه لم يسمع بمعناه إلا مبنيا للمفعول . قال :


وكنت أرى زيدا كما قيل سيدا إذا أنه عبد القفا واللهازم



فأريت بمعنى أظننت : أي دفع إلي الظن .

( قوله لأن الجناية قاصرة ) ليس هنا جناية أصلا لأنه لم يقصد وقد صرحوا بعدم الإثم عليه ، اللهم إلا أن يراد أن عدم تثبته إلى أن يستيقن جناية فيكون المراد جناية عدم التثبت لا جناية الإفطار كما قالوا في القتل الخطأ لا إثم عليه فيه ، والمراد إثم القتل ، وصرح بأن فيه إثم ترك العزيمة والمبالغة في التثبت حال الرمي . قال المصنف في الجنايات : شرع الكفارة يؤذن باعتبار هذا المعنى ، اللهم إلا أن يدفع بأن ترك التثبت إلى الاستيقان في القتل ليس كتركه إلى الاستيقان في الفطر ، وأيضا : المعنى الموجب للقول بثبوته في القتل بترك التثبت إلى تلك الغاية شرع الكفارة ، وهذا الدليل مفقود هنا إذ لا كفارة ، ولولا هو لم نجسر على القول بذلك هناك . وحديث عمر رضي الله عنه رواه أبو حنيفة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي قال : أفطر عمر رضي الله عنه وأصحابه في يوم غيم ظنوا أن الشمس غابت ، قال : فطلعت فقال عمر : ما تعرضنا لجنف نتم هذا اليوم ثم نقضي يوما مكانه . وأخرجه ابن أبي شيبة من طرق أقربها إلى لفظ الكتاب ما عن علي بن حنظلة عن أبيه قال : شهدت عمر بن الخطاب رضي الله عنه في رمضان وقرب إليه شراب فشرب بعض القوم وهم يرون الشمس قد [ ص: 373 ] غربت ، ثم ارتقى المؤذن فقال : يا أمير المؤمنين والله إن الشمس طالعة لم تغرب ، فقال عمر رضي الله عنه : من كان أفطر فليصم يوما مكانه ، ومن لم يكن أفطر فليتم حتى تغرب الشمس . وأعاده من طريق آخر ، وزاد فقال له : بعثناك داعيا ولم نبعثك راعيا ، وقد اجتهدنا ، وقضاء يوم يسير . وإنما قال له ذلك لأن خطابه له من أعلى المئذنة رافعا صوته ليس من الأدب ، بل كان حقه أن ينزل فيخبره متأدبا .




الخدمات العلمية