الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ومن أمر رجلا بأن يزوج ابنته الصغيرة فزوجها والأب حاضر بشهادة رجل واحد سواهما جاز النكاح ) لأن الأب يجعل مباشرا للعقد لاتحاد المجلس ويكون الوكيل سفيرا ومعبرا فيبقى المزوج شاهدا ( وإن كان الأب غائبا لم يجز ) لأن المجلس مختلف فلا يمكن أن تجعل الأب مباشرا ، وعلى هذا إذا زوج الأب ابنته البالغة بمحضر شاهد واحد إن كانت حاضرة جاز ، وإن كانت غائبة لم يجز ، والله أعلم .

التالي السابق


[ ص: 206 ] قوله ومن أمر رجلا أن يزوج ابنته الصغيرة فزوجها والأب حاضر بحضرة رجل واحد جاز النكاح ) وكذا إذا زوج الأب ابنته البالغة بحضورها مع واحد أو امرأتين أو وكيل المرأة بحضورها مع امرأتين جاز النكاح . ثم إنما تقبل شهادة المزوج إذا لم يقل أنا زوجتها بل يقول هذه زوجة هذا ، وإنما صح بحضور الواحد لأن الوكيل في النكاح سفير ومعبر ينقل عبارة الموكل ، فإذا كان من يعبر عنه حاضرا والفرض أن العبارة تنتقل إليه كان مباشرا لأن العبارة تنتقل إليه وهو في المجلس وليس المباشر سوى هذا ، بخلاف ما إذا كان غائبا لأن انتقال العبارة إليه حال عدم الحضور لا يصير به مباشرا لأنه مأخوذ في مفهومه الحضور ضرورة فيقتصر أثره على عدم رجوع الحقوق إلى الوكيل ، ولهذا لو زوج وكيل السيد العبد بحضوره مع آخر لا يصح لأن العبارة إنما تنتقل إلى مقيد الولاية وهو السيد وهو غائب .

فظهر من هذا التوجيه أن إنزاله مباشرا مع حضوره جبري لا يتوقف على ثبوت الحاجة إلى اعتباره . فاندفع ما أورد من أنه تكلف غير محتاج إليه فإن الأب يصلح شاهدا فلا حاجة إلى اعتباره مباشرا إلا في المسألة الأخيرة في الكتاب ، وهي ما إذا زوج الأب بنته البالغة بحضرة واحد لأنها لا تصلح شاهدة على نفسها فأنزلت مباشرة ضرورة التصحيح ، ولو أذن السيد لعبده أو أمته في التزوج فعقدا بحضرة واحد مع السيد قيل لا يجوز للانتقال إلى السيد لأنهما وكيلان عنه ، والأصح الجواز بناء على منع كونهما وكيلين لأن الإذن فك الحجر عنهما فيتصرفان بعده بأهليتهما لا بطريق النيابة .

ومما ذكر في مسألة وكيل السيد يظهر أن ثبوت الصحة فيما [ ص: 207 ] إذا زوج السيد عبده أو أمته بحضورهما مع شاهد محل نظر ، لأن مباشرة السيد ليس فكا للحجر عنهما في التزوج مطلقا وإلا لصح في مسألة وكيله ولذا خالف في صحتها المرغيناني ، قال : وقال أستاذي : فيهما روايتان : أي في وكيل السيد والسيدة



[ فروع ]

إذا جحد أحد الزوجين النكاح فإما أصله أو شرطه ; ففي أصله لو جحده الزوج فأقامت بينة به أو على إقراره قبلت ولا يكون جحوده طلاقا ; ألا ترى أن الطلاق ينقص العدد وبارتفاع أصل النكاح لا نقص . وأما إنكار الشرط كإنكار الشهادة ، فإن كانت هي المنكرة بأن قالت تزوجني بلا شهود وقال الزوج بشهود فالنكاح صحيح ، وإن كان هو القائل ذلك فرق بينهما لإقراره بالحرمة على نفسه فيكون كالفرية من قبله فلها نصف المهر إن كان قبل الدخول وإلا فكله ونفقة العدة ، وهذا بخلاف إنكاره أصل النكاح لأن القاضي كذبه بالحجة في زعمه فلا يبقى زعمه معتبرا ، وهنا ما كذبه في زعمه بحجة ولكن رجح قولها لمعنى هو أن الشرط تبع وقد اتفقا على الأصل والاتفاق على الأصل اتفاق على التبع فالمنكر له بعد موافقته على الأصل كالراجع عنه فيبقى زعمه معتبرا في حق نفسه ولذا فرق بينهما ، وكذا لو قال تزوجتها وهي معتدة أو مجوسية ثم أسلمت أو أختها عندي أو ولها زوج أو أمة بلا إذن لأن هذه المواقع كلها في محل العقد والمحال في حكم الشروط ، بخلاف ما لو ادعى أحدهما أن النكاح كان في صغره بمباشرته لأنه منكر لأصل النكاح معنى ، وإذا كان القول للمنكر منهما هنا فلا مهر لها عليه إن لم يكن دخل بها قبل البلوغ ، فإن دخل بها فلها الأقل من المسمى ومهر المثل للدخول في نكاح موقوف ، وإن كان الدخول بعد البلوغ فهو رضا بذلك النكاح ، وبعد البلوغ لو أجاز العقد الذي عقد له قبله جاز ، والتمكين من الدخول إجازة ، ولو كانت هي القائلة تزوجني وأنا معتدة وما بعدها إلى آخر الصورة التي ذكرناها وهو ينكر فهي امرأته لما قلنا في الشهادة ، والله سبحانه أعلم .



شهد شاهد أنه تزوجها أمس وآخر اليوم فهي باطلة ، فإن النكاح وإن كان قولا فمن شرائطه ما هو فعل وهو الحضور ، فكان كالأفعال في الاختلاف ، واختلاف الشهود في المكان والزمان في الأفعال يمنع القبول ، ولأن كلا شهد بعقد حضره واحد ، والله أعلم .




الخدمات العلمية