الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 234 ] ( ويجوز تزويج الأمة مسلمة كانت أو كتابية ) وقال الشافعي رحمه الله : لا يجوز للحر أن يتزوج بأمة كتابية لأن جواز نكاح الإماء ضروري عنده لما فيه من تعريض الجزء على الرق ، وقد اندفعت الضرورة [ ص: 235 ] بالمسلمة ولهذا جعل طول الحرة مانعا منه . وعندنا الجواز مطلق لإطلاق المقتضي ، وفيه امتناع عن تحصيل الجزء الحر لا إرقاقه وله أن لا يحصل الأصل فيكون له أن لا يحصل الوصف .

التالي السابق


( قوله ويجوز تزويج الأمة مسلمة كانت أو كتابية إلخ ) قيد الحر غير مفيد لأن [ ص: 235 ] الشافعي لا يجيز للعبد المسلم الأمة الكتابية فكان الصواب إبداله بالمسلم . وعن مالك وأحمد كقوله ، وعنهما كقولنا . له قوله تعالى { ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات } الآية استفيد منها عدة أحكام : عدم جواز نكاح الأمة مطلقا عند طول الحرة بمفهوم الشرط وعدم جواز النكاح الأمة مطلقا حين لا ضرورة من خشية العنت لقوله تعالى { ذلك لمن خشي العنت منكم } فاستنبطنا من قصر الحل على الضرورة معنى مناسبا وهو ما في نكاح الأمة من تعريض الولد على الرق الذي هو موت حكما . وعدم جواز الأمة الكتابية مطلقا بمفهوم الصفة في قوله { من فتياتكم المؤمنات } وأيضا إذا لم تجز الأمة إلا للضرورة فالضرورة تندفع بالمسلمة .

وعندنا الجواز مطلق في حالة الضرورة وعدمها في المسلمة والكتابية وعند طول الحرة وعدمه لإطلاق المقتضى من قوله تعالى { فانكحوا ما طاب لكم من النساء } { وأحل لكم ما وراء ذلكم } فلا يخرج منه شيء إلا بما يوجب التخصيص ، ولم ينتهض ما ذكروا حجة مخرجة . أما أولا فالمفهومان : أعني مفهوم الشرط والصفة ليسا بحجة عندنا وموضعه الأصول ، وأما ثانيا فبتقدير الحجية مقتضى المفهومين عدم الإباحة الثابتة عند وجود القيد المبيح . وعدم الإباحة أعم من ثبوت الحرمة أو الكراهة ، ولا دلالة للأعم على أخص بخصوصه فيجوز ثبوت الكراهة عند عدم الضرورة وعند وجود طول الحرة ، كما يجوز ثبوت الحرمة على السواء والكراهة أقل فتعينت فقلنا بها ، وبالكراهة صرح في البدائع . وأما تعليل عدم الحل عند عدم الضرورة بتعريض الولد على الرق لتثبت الحرمة بالقياس على أصول شتى أو لتعيين أحد فردي الأعم الذي هو عدم الإباحة وهو التحريم مرادا بالأعم ، فإن عنوا أن فيه تعريض موصوف بالحرية على الرق سلمنا استلزامه للحرمة ، ولكن وجود الوصف ممنوع ، إذ ليس هنا متصف بحرية عرض للرق بل الوصفان من الحرية والرق يقارنان وجود الولد باعتبار أمه ، إن كانت حرة فحر أو رقيقة فرقيق ، وإن أرادوا به تعريض الولد الذي سيوجد لأن يقارنه الرق في الوجود لا إرقاقه سلمنا وجوده ومنعنا تأثيره في الحرمة بل في الكراهة .

وهذا لأنه كان له أن لا يحصل الولد أصلا بنكاح الآيسة ونحوها ، فلأن يكون له أن يحصله رقيقا بعد كونه مسلما أولى ، إذ المقصود بالذات من التناسل إنما هو تكثير المقرين لله تعالى بالوحدانية والألوهية وما يجب أن يعترف له به ، وهذا ثابت بالولد المسلم ، والحرية مع ذلك كمال يرجع أكثره إلى أمر دنيوي ، وقد جاز للعبد أن يتزوج أمتين بالاتفاق مع أن فيه تعريض الولد على الرق في موضع الاستغناء عن ذلك وعدم الضرورة ، وكون العبد أبا لا أثر له في ثبوت رق الولد ، فإنه لو تزوج حرة كان ولده حرا ، والمانع إنما يعقل كونه ذات الرق لأنه هو الموجب [ ص: 236 ] للنقص الذي جعلوه محرما لا مع قيد حرية الأب فوجب استواء العبد والحر في هذا الحكم ، لو صح ذلك التعليل : أعني تعليل الحرمة بالتعريض للرق ثم بعد وجود شرط تزوج الأمة عند الشافعي من عدم وجود طول الحرة شرط أن لا تكون جارية ابنه : أي ملك الابن ، قال في خلاصتهم : لو أنه استولدها قبل النكاح صارت أم ولده فنزل ملك ولده منزلة ملكه ، وعندنا لا ملك للأب من وجه أصلا وإلا لحرمت على الابن .




الخدمات العلمية