الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 288 ] ( وإذا غاب الولي الأقرب غيبة منقطعة جاز لمن هو أبعد منه أن يزوج ) وقال زفر : لا يجوز لأن ولاية الأقرب [ ص: 289 ] قائمة لأنها ثبتت حقا له صيانة للقرابة فلا تبطل بغيبته ، ولهذا لو زوجها حيث هو جاز ، ولا ولاية للأبعد مع ولايته . ولنا أن هذه ولاية نظرية وليس من النظر التفويض إلى من لا ينتفع برأيه ففوضناه إلى الأبعد وهو مقدم على السلطان كما إذا مات الأقرب ، ولو زوجها حيث هو فيه منع [ ص: 290 ] وبعد التسليم نقول للأبعد بعد القرابة وقرب التدبير وللأقرب عكسه فنزلا منزلة وليين متساويين فأيهما عقد نفذ ولا يرد ( والغيبة المنقطعة أن يكون في بلد لا تصل إليها القوافل في السنة إلا مرة واحدة ) وهو اختيار القدوري . وقيل أدنى مدة السفر لأنه لا نهاية لأقصاه وهو اختيار بعض المتأخرين . وقيل : إذا كان بحال يفوت الكفء الخاطب باستطلاع رأيه ، وهذا أقرب إلى الفقه لأنه لا نظر في إبقاء ولايته حينئذ

التالي السابق


( قوله وقال زفر : إذ غاب الولي الأقرب غيبة منقطعة لا يزوجها أحد حتى تبلغ ) بناء على أنه على ولايته ; لأن الولاية ثبتت حقا له على ما تقدم في دليل محمد وقدمنا جوابه . وقال الشافعي رحمه الله : يزوجها [ ص: 289 ] السلطان لا الأبعد . وعندنا يزوجها الأبعد ; لأن هذه ولاية نظرية تثبت نظرا لليتيمة لحاجتها إليها ، ولا نظر في التفويض إلى من لا ينتفع برأيه ، وهذا لأن التفويض إلى الأقرب ليس لكونه أقرب بل لأن في الأقربية زيادة مظنة للحكمة وهي الشفقة الباعثة على زيادة إتقان الرأي للمولية ، فحيث لا ينتفع برأيه أصلا سلبت إلى الأبعد ، إذ لو أبقينا ولاية الأقرب أبطلنا حقها وفاتت مصلحتها . أما الولي فحقه في الصيانة عن غير الكفء يكون مقتضيا لإثبات ولاية الفسخ إذا وقع بفعلها من غير كفء فلا يتوقف على إثبات ولاية التزويج له ، فحيث ثبتت فإنما هي لحاجتها حقا لها . ولو سلم ففوات حقه بسبب من جهته وهو غيبته على أن المقصود له لا يفوت إذ يخلفه فيه الولي الأبعد ; لأنه تلوه في نفي غير الكفء والاحتراس عن التلطخ بنسبته فتضافرا على مقصود واحد فوجب المصير إلى ما قلنا وظهر وجه تقديمه على السلطان ، ولأنه لو سلبت ولايته بموته كان الأبعد أولى من السلطان ، فكذا إذا سلبت بعارض آخر . فالحاصل في علة تقديمه على السلطان لا يختلف بالموت وغيره . وقال صلى الله عليه وسلم { السلطان ولي من لا ولي له } وما يقال من أنه ينتفع برأيه بالرسول وبالكتاب وكتاب الخاطب إليه حيث هو فخلاف المعتاد في الغائب والخاطب فلا يفرع الفقه باعتباره وقد لا يعرف مكانه ، ونظيره الحضانة والتربية يقدم فيه الأقرب ، فإذا تزوجت القربى وثبت مظنة شغلها بالزوج صارت للبعدى ، وكذا النفقة في مال الأقرب فإذا انقطع ذلك لبعد ماله وجبت في مال الأبعد .

( قوله ولو زوجها حيث هو فيه منع ) جواب عن استدلال زفر على قياس ولايته حال غيبته بأنه لو زوجها حيث هو صح اتفاقا فدل على أنه لم يسلب الولاية ، شرعا بغيبته . أجاب بمنع صحة تزويجه . قال في المحيط : لا رواية فيه ، وينبغي أن لا يجوز لانقطاع ولايته . وفي المبسوط : لا يجوز ، ولو سلم فلأنها انتفعت برأيه وهذا تنزل ، ووجهه أن للأبعد قرب التدبير وللأقرب قرب القرابة فنزلا منزلة وليين في درجة واحدة ، فأيهما عقد جاز ; لأنه أمس بالمعنى المعلق به ثبوت الولاية وسلبها . ومعناه أن سلب الولاية إنما كان لسلب الانتفاع برأيه ، فلما زوجها من حيث هو ظهر أنه لم يكن ما علق به سلب الولاية ثابتا بل القائم مناط ثبوتها . وفي شرح الكنز : لا رواية فيه ، فلنا أن نمنع ; لأنه لو جاز عقده حيث هو لأدى إلى مفسدة ; لأن الحاضر لو زوجها بعد تزويج الغائب لعدم علمه لدخل بها الزوج وهي في عصمة غيره ، وما قالوه في صلاة الجنازة يدل عليه وهو أن الغائب لو كتب ليقدم رجلا في صلاة الجنازة فللأبعد منعه ، ولو كانت له ولاية باقية لما كان له منعه ، كما لو كان حاضرا وقدم غيره . وقد استفيد مما ذكرنا أن الوليين إذا استويا كأخوين شقيقين أيهما زوج نفذ ومن العلماء من قال : لا يجوز ما لم يجتمعا على العقد والعمل على ما ذكرنا ، فإن زوجها كل منهما فالصحة [ ص: 290 ] للسابق ، فإن لم يعلم السابق أو وقعا معا بطلا لعدم الأولوية بالتصحيح ، ولو زوجها أبوها وهي بكر بالغة بأمرها وزوجت هي نفسها من آخر فأيهما قالت هو الأول فالقول قولها وهو الزوج ; لأنها أقرت بملك النكاح له على نفسها وإقرارها حجة تامة عليها ، وإن قالت لا أدري الأول ولا يعلم من غيرها فرق بينها وبينهما ، وكذا لو زوجها وليان بأمرها .

( قوله ولا يرد إلخ ) يفيد أنه لو حضر الأقرب بعد عقد الأبعد لا يرد عقده وإن عادت ولايته بعوده .

( قوله والغيبة المنقطعة أن يكون في موضع لا تصل إليه القوافل في السنة إلا مرة وهو اختيار القدوري ) وعن أبي يوسف من جابلقا إلى جابلسا : وهما قريتان إحداهما بالمشرق والأخرى بالمغرب ، وهذا رجوع إلى قول زفر ، وإنما ضرب هذا مثلا ، وعنه في رواية أخرى من بغداد إلى الري ، وهكذا عن محمد ، وفي رواية من الكوفة إلى الري . ومن المشايخ من قال : حد الغيبة المنقطعة أن يكون متحولا من موضع إلى موضع فلا يوقف على أثره ، أو يكون مفقودا لا يعرف خبره . وقيل إذا كان في موضع يقع الكراء إليه دفعة واحدة فليست غيبة منقطعة أو بدفعات فمنقطعة ، وقيل أدنى مدة السفر ; لأنه لا نهاية لأقصاه وهو اختيار بعض المتأخرين منهم القاضي الإمام أبو علي النسفي وسعد بن معاذ أبو عصمة المروزي وابن مقاتل الرازي وأبو علي السغدي وأبو اليسر والصدر الشهيد ، قالوا : وعليه الفتوى . وقال الإمام السرخسي في مبسوطه : والأصح أنه إذا كان في موضع لو انتظر حضوره واستطلاع رأيه يفوت الكفء ، وعن هذا قال قاضي خان في الجامع الصغير : لو كان مختفيا في المدينة بحيث لا يوقف عليه تكون غيبته منقطعة ، وهذا حسن ; لأنه النظر . وفي النهاية : عليه أكثر المشايخ منهاالقاضي الإمام أبو بكر محمد بن الفضل . وفي شرح الكنز : أكثر المتأخرين على أدنى مدة السفر ، ولا تعارض بين أكثر المتأخرين وأكثر المشايخ والأشبه بالفقه قول أكثر المشايخ




الخدمات العلمية