الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 184 ] والمستحاضة هي التي لا يمضي عليها وقت صلاة إلا والحدث الذي ابتليت به يوجد فيه ،

[ ص: 185 ] وكذا كل من هو معناها

وهو من ذكرناه ومن به استطلاق بطن وانفلات ريح

[ ص: 186 ] لأن الضرورة بهذا تتحقق وهي تعم الكل

التالي السابق


( قوله والمستحاضة هي التي لا يمضي عليها وقت صلاة إلا والحدث الذي ابتليت به يوجد فيه ) لما أعطى حكم المستحاضة أفاد تصويرها ، وكان الأولى تقديمه على الحكم لتقدم التصور على الحكم المتصور لكنه بادر إلى الحكم لأنه المقصود الأهم مع عدم الفوات ، إذ قد أفاد التصوير لكنه أخره فإنما فيه وجه التقديم وقد انتظمه كلامنا

. قيل الصحيح أن يقال هي التي لا يخلو وقت الوضوء أو بعده في الوقت عن الحدث الذي ابتليت بدوامه لأنه يرد على الأول إذا رأت الدم أول الوقت ثم انقطع فتوضأت ودام الانقطاع حتى خرج الوقت لا تنتقض طهارتها ، فلو كان ذلك تفسير المستحاضة لا تنقض لأن المستحاضة حكمها ذلك . وحاصل هذا الكلام للمتأمل إناطة ثبوت وصف الاستحاضة واسم المستحاضة بوجود الوضوء وليس بشيء ، فإنها لو لم تتوضأ ولم تصل لمرض يعجزها عن الإيماء أو فسقا وهي بالوصف المذكور بعد دوامه وقتا كاملا كانت مستحاضة قطعا غاية الأمر أن المستحاضة إنما ينتقض وضوءها بالخروج إذا كان السيلان معه أو بعده في الوقت وترك التقييد به في إعطائها هذا الحكم لظهوره وعليه قلنا لو توضأت وصلت بعض الصلاة فخرج الوقت ثم سال تتوضأ وتبني لأن الانتقاض بالحدث لا بالخروج ليكون بظهور الحدث السابق فتستقبل ثم تحقق كونها مبتلاة به ، وكذا سائر المعذورين ابتداء باستيعابه وقت صلاة كامل . وفي الكافي : إنما يصير صاحب عذر إذا لم يجد في وقت الصلاة زمنا يتوضأ ويصلي فيه خاليا عن الحدث . والأولى عبارة عامة الكتب وهذا يصلح تفسيرا لها ، إذ قلما يستمر كمال وقت بحيث لا ينقطع لحظة فيؤدي إلى نفي تحققه إلا في الإمكان ، بخلاف جانب الصحة منه فإنه بدوام انقطاعه وقتا كاملا وهو مما يتحقق ، وبناء على اشتراط الاستيعاب في الابتداء قالوا ، لو سال جرحه انتظرا آخر

[ ص: 185 ] الوقت ، فإن لم ينقطع توضأ وصلى قبل خروجه ، فإن فعل فدخل وقت أخرى فانقطع فيه أعاد الأولى لعدم الاستيعاب ، وإن لم ينقطع في وقت الثانية حتى خرج لا يعيدها لوجود الاستيعاب ، كما لو قالوا في جانب الانقطاع لو توضأ على السيلان وصلى على الانقطاع أو انقطع في أثناء الصلاة إن عاد في الوقت الثاني فلا إعادة لعدم الانقطاع وقتا تاما وإن لم يعد فعليه الإعادة للانقطاع التام فتبين أنها صلت صلاة المعذورين ولا عذر ، هذا .

ومتى قدر المعذور على رد السيلان برباط أو حشو أو كان لو جلس لا يسيل ولو قام سال وجب رده فإنه يخرج برده عن أن يكون صاحب عذر ، بخلاف الحائض إذا منعت الدرور فإنها حائض ، ويجب أن يصلي جالسا بإيماء إن سال بالميلان لأن ترك السجود أهون من الصلاة مع الحدث ، فإن الصلاة بإيماء لها وجرد حالة الاختيار في الجملة وهو في التنفل على الدابة ، ولا يجوز مع الحدث بحال حالة الاختيار ، وعن هذا قلنا لو كان بحيث لو صلى قائما أو قاعدا سال جرحه وإن استلقى لا يسيل وجب القيام والركوع والسجود ، لأن الصلاة كما لا تجوز مع الحدث إلا ضرورة لا تجوز مستلقيا إلا لها فاستويا ، وترجح الأداء مع الحدث لما فيه من إحراز الأركان ، وهل يجب غسل الثوب من النجاسة التي ابتلي بها ؟ قيل لا لأن الوضوء عرفناه بالنص والنجاسة ليست في معناه لأن قليلها معفو عنه فألحق بالقليل للضرورة . وقيل إذا أصابه خارج الصلاة يغسله لأنه قادر على أن يشرع بثوب طاهر ، وفي الصلاة لا يمكن التحرز عنه فسقط اعتباره فيها ، وفي المجتبى : قال القاضي : لو غسلت ثوبها وهو يحال يبقى طاهرا إلى أن تفرغ لا إلى أن يخرج الوقت ، فعندنا تصلي بدون غسل ، وعند الشافعي لا لأن الطهارة عندنا مقدرة بخروج الوقت وعنده بالفراغ . وفي النوازل : وإذا كان به جرح سائل وشد عليه خرقة فأصابه الدم أكثر من قدر الدرهم أو أصاب ثوبه فصلى ولم يغسله ، إن كان لو غسله تنجس ثانيا قبل الفراغ من الصلاة جاز أن لا يغسله وإلا فلا هو المختار ، ولو كانت به دماميل وجدري فتوضأ وبعضها سائل ثم سال الذي لم يكن سائلا انتقض لأن هذا حدث جديد فصار كالمنخرين ، ومسألة المنخرين مذكورة في الأصل ، وهي ما إذا سال أحد منخريه فتوضأ مع سيلانه وصلى ثم سال المنخر الآخر في الوقت انتقض وضوءه لأن هذا حدث جديد .

[ فرع ]

في عينه رمد يسيل دمعها يؤمر بالوضوء لكل وقت لاحتمال كونه صديدا . وأقول : هذا التعليل [ ص: 186 ] يقتضي أنه أمر استحباب ، فإن الشك والاحتمال في كونه ناقضا لا يوجب الحكم بالنقض إذا اليقين لا يزول بالشك والله أعلم . نعم إذا علم من طريق غلبة الظن بإخبار الأطباء أو علامات تغلب ظن المبتلى يجب .




الخدمات العلمية