الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإن طلقها ثلاثا بأمرها أو قال لها اختاري فاختارت نفسها أو اختلعت منه ثم مات [ ص: 148 ] وهي في العدة لم ترثه ) لأنها رضيت بإبطال حقها والتأخير لحقها . وإن قالت طلقني للرجعة فطلقها ثلاثا ورثته لأن [ ص: 149 ] الطلاق الرجعي لا يزيل النكاح فلم تكن بسؤالها راضية ببطلان حقها

التالي السابق


( قوله وإن طلقها ثلاثا بأمرها ) ليس قيدا ، بل المقصود أن يطلقها بائنا بأمرها ، [ ص: 148 ] ولهذا عطف قوله أو قال لها اختاري فاختارت نفسها عليه ، فإن هذا القدر إنما يثبت طلقة بائنة ، وكذا إذا اختلعت منه في مرضه ثم مات وهي في العدة لم ترثه لأنها رضيت بإبطال حقها .

أما في الأولى فللأمر منها بالعلة ، وأما في الأخريين فلأنهما باشرا العلة .

أما في التخيير فظاهر لأنه تمليك منها ، وأما في الخلع فلأن التزام المال علة العلة ، لأنه شراء الطلاق ، ومباشرة آخر وصفي العلة كمباشرتها ، بخلاف مباشرة بعض العلة .

فمن فروع ذلك ما لو قال لامرأتيه في مرض موته وقد دخل بهما طلقا أنفسكما ثلاثا فطلقت كل واحدة نفسها وصاحبتها على التعاقب طلقتا ثلاثا بتطليق الأولى لا الثانية وورثت الثانية لأنها لم تباشر علة الفرقة لا الأولى لأنها المباشرة .

ولو بدأت الأولى بطلاق ضرتها ثم بطلاق نفسها ثم الأخرى كذلك ورثتا لأن الواقع على كل واحدة منهما طلاق ضرتها لإطلاق نفسها الخروج الأمر من يدها لاشتغالها بطلاق الضرة ، والتفويض تمليك وهو مقتصر على المجلس .

ولو طلقت كل نفسها وصاحبتها معا طلقتا ولم ترثا لأن كلا طلقت بتطليق نفسها ثم اشتغلت بما لا يفيد من تطليق ضرتها .

وإن طلقتا إحداهما بأن طلقت نفسها وطلقتها ضرتها ووجد ذلك معا طلقت ولا ترث لأنه وجد في حقها طلاق نفسها وطلاق الوكيل فيضاف إلى المالك لأنه أقوى ، أو كل يصلح علة وقد نزلا معا فيضاف إلى كل كأن ليس معه غيره .

ولو قال في مرضه طلقا أنفسكما إن شئتما فطلقت إحداهما نفسها وصاحبتها لا تطلق واحدة منهما حتى تطلق الأخرى نفسها وصاحبتها لتعلق التفويض بمشيئتهما خلافا لزفر كأنه قال طلقا أنفسكما إن شئتما طلاقكما ، بخلاف ما تقدم فإنه لم يعلق التفويض بشرط المشيئة فتنفرد كل واحدة منهما بذلك ، فلو طلقت الأخرى بعد ذلك نفسها وصاحبتها طلقتا لوجود كمال العلة وورثت الأولى لا الثانية لأن الثانية باشرت آخر وصفي العلة والأولى بعض العلة .

ولو خرج الكلامان منهما معا بانتا وورثتاه لأن كلا باشرت بعض العلة ، هذا كله بشرط المجلس لأنه تمليك .

ولو قال في مرضه أمركما بيديكما فهو تمليك منهما فلا تنفرد إحداهما بالطلاق كمسألة المشيئة سواء إلا أنهما إذا اجتمعتا على طلاق واحدة منهما يقع ، وفي قوله إن شئتما لا يقع لأنه جعل الرأي إليهما في شيئين ، فإذا اجتمع رأيهما في شيء صح ، كما لو وكل رجلين ببيع عبدين فباعا أحدهما وهناك فوض إليهما بشرط مشيئتهما الطلاقين فكان عدما قبل الشرط .

ولو قال طلقا أنفسكما بألف فقالت كل طلقت نفسي وصاحبتي بألف معا أو متعاقبا بانتا بألف ويقسم على مهريهما لأن الألف مقابل بالبضعين لا يعتبر قيمته عند الخروج فيقوم بما تزوجهما عليه ولم يرثا لأن الفرقة لا تقع إلا بالتزام المال والتزام كل علة لأنه شراء الطلاق ، فكان فعل كل واحدة علة وفعل الأخرى شرطا والحكم يضاف إلى العلة فلذا بطل الإرث .

ولو طلقتا إحداهما طلقت بحصتها من الألف لأنهما مأمورتان بطلاقهما فقد أتتا ببعض ما أمرتا به ولم ترث لأنه وقع بقبولها ، وإن قامتا بطل الأمر لأنه طلاق ببدل فشرطه اجتماع رأيهما ، بخلاف المأمورتين بالطلاق بلا بدل لأنه ينفرد كل منهما بإيقاع الأمر ، وإذا بطل الأمر في حق نفسها لأنه تمليك بطل في حق الأخرى لفوات الشرط وهو اجتماع رأيهما الكل من الكافي ( قوله والتأخير ) أي تأخير عمل الطلاق [ ص: 149 ] لحقها وهي قد رضيت بإبطاله ، ولذا لو حصلت الفرقة في مرضه بسبب الجب والعنة وخيار البلوغ والعتق لم ترث لرضاها بالمبطل وإن كانت مضطرة ، لأن سبب الاضطرار ليس من جهة الزوج فلم يكن جانيا في الفرقة ، بخلاف ما لو طلقت نفسها ثلاثا فأجاز الزوج في مرضه حيث ترث لأن المبطل للإرث إجازته ، ولو وقعت الفرقة بتمكين ابن الزوج لا ترث إلا أن يكون أبوه أمره بذلك فقربها مكرهة لأنه بذلك ينتقل إليه فيكون الأب كالمباشر .

ولو وجدت هذه الأشياء منها وهي مريضة ورثها الزوج لكونها فارة .

وفي الجامع : لو فارقته في مرضها بخيار العتق أو البلوغ ورثها لأنها من قبلها وإذا لم تكن طلاقا .

وفي الينابيع جعل هذا قول أبي حنيفة ومحمد .

وفي الفرقة بسبب الجب والعنة واللعان لا يرثها لأنها طلاق فكانت مضافة إليه .

وأورد : ينبغي أن لا يرثها أصلا لأنا جعلنا قيام العدة كقيام النكاح في حقها ولا عدة هنا عند موتها فلم يبق النكاح كبعد العدة .

أجيب لما صارت محجورة عن إبطال حقه أبقينا النكاح في حق الإرث دفعا للضرر عنه أوردا لقصدها إبطال حقه كمستعجل الإرث .

ولا يخفى أن هذا الاعتبار الذي هو مبنى هذا الجواب يستلزم توريث امرأة الفار إذا مات بعد العدة كما هو قول مالك .

وفي القنية : أكره على طلاقها الثلاث لا ترث لعدم قصد الفرار ، ولو أكرهت على سؤالها الطلاق ترث




الخدمات العلمية