الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 213 ] ( ويجوز فيه الحجر وما قام مقامه يمسحه حتى ينقيه ) لأن المقصود هو الإنقاء فيعتبر ما هو المقصود ( وليس فيه عدد مسنون ) وقال الشافعي رحمه الله : لا بد من الثلاث لقوله عليه الصلاة والسلام " وليستنج بثلاثة أحجار " ولنا قوله عليه الصلاة والسلام " من استجمر فليوتر ، فمن فعل فحسن ومن لا فلا حرج " [ ص: 214 ] والإيتار يقع على الواحد ، وما رواه متروك الظاهر فإنه لو استنجى بحجر له ثلاثة أحرف جاز بالإجماع .

التالي السابق


( قوله وما قام مقامه ) يعني من الأعيان الطاهرة المزيلة فخرج الزجاج والثلج والآجر والخزف والفحم ( قوله لأن المقصود إلخ ) يفيد أنه لا حاجة إلى التقييد بكيفية من المذكورة في الكتب نحو إقباله بالحجر في الشتاء وإدباره به في الصيف لاسترخاء الخصيتين فيه لا في الشتاء .

وفي المجتبى : المقصود الإنقاء فيختار ما هو الأبلغ والأسلم عن زيادة التلويث ا هـ . فالأولى أن يقعد مسترخيا كل الاسترخاء إلا إن كان صائما والاستنجاء بالماء ، ولا يتنفس إذا كان صائما ويحترز من دخول الأصبع المبتلة كل ذلك يفسد الصوم .

وفي كتاب الصوم من الخلاصة : إنما يفسد إذا وصل إلى موضع الحقنة وقلما يكون ذلك ا هـ .

وللمخافة ينبغي أن ينشف المحل قبل أن يقوم ، ويستحب لغير الصائم أيضا حفظا للثوب من الماء المستعمل ويغسل يديه قبل الاستنجاء وبعده ، وينبغي أن يخطو قبله خطوات والمقصود أن يستبرئ ، وفي المبتغى : والاستبراء واجب ، ولو عرض له الشيطان كثيرا لا يلتفت إليه بل ينضح فرجه بماء أو سراويله حتى إذا شك حل البلل على ذلك النضح ما لم يتيقن خلافه ، ولا يمتخط ولا يبزق ولا يذكر الله تعالى حال جلوسه ولا في ذلك المحل ، وبالماء البارد في الشتاء أفضل بعد تحقق الإزالة به ، ولا يدخل الإصبع ، قيل يورث الباسور ، والمرأة كالرجل تغسل ما ظهر منها ولو غسلت براحتها كفاها ( قوله وليستنج إلخ ) روى البيهقي في سننه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { إنما أنا لكم مثل الوالد ، إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها بغائط ولا بول ، ويستنجي بثلاثة أحجار ، ونهى عن الروث والرمة ، وأن يستنجي الرجل بيمينه } ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه ، كلهم بلفظ { وكان يأمر بثلاثة أحجار } وإنما عزوناه للبيهقي لأنه بلفظ الكتاب وعن عائشة رضي الله عنها عنه صلى الله عليه وسلم قال { : إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه } رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي ، وفي رواية { فليستطب بثلاثة أحجار } رواها الدارقطني .

وقال إسناده صحيح ( قوله ولنا قوله عليه الصلاة والسلام إلخ ) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { من اكتحل فليوتر ، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج ، ومن استجمر فليوتر ، ومن فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج ، ومن أكل فما تخلل فليلفظ وما لاك بلسانه فليبتلع ، ومن فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج ، ومن أتى الغائط فليستتر ، فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيبا من رمل فليستدبره فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم ، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج } حديث حسن ، رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه .

والإيتار يقع [ ص: 214 ] على الواحدة ، فإذا لم يكن حرج في ترك الإيتار لم يكن حرج في ترك الاستنجاء ، وفيه نظر فإن المنفي على هذا التقدير إنما هو الإيتار ممن استنجى ، وذلك لا يتحقق إلا بنفي إيتار هو فوق الواحدة ، فإن بنفي الواحدة ينتفي الاستنجاء فلا يصدق نفي الإيتار مع وجود الاستنجاء فلا يتم الدليل إلا بصرف النفي إلى كل ما ذكر فيدخل فيه أصل الاستنجاء إن أحب ، ومجرد الإيتار فيه ، والمعنى : من فعل ما قلته كله فقد أحسن ومن لا فلا حرج .

وما رواه متروك الظاهر فإنه لو استنجى بحجر له ثلاثة أحرف جاز ، فعلم أن المراد عدد المسحات ، غير أنه قدر بالثلاث لأن غالب الظن يحصل عنده كما قدره في حديث المستيقظ لا لتحقق المانع في المستيقظ ، لكن هذا إذا كان الاستجمار خاصا في الاستنجاء لكنه مشترك بينه وبين استعمال الجمر في البخور كما في قولهم تجمر الأكفان في الجنائز واستجمر فلان : أي تبخر واستجمر ابن صبيح الكاتب عند المأمون فأدخل رأسه يشم البخور فأمر من يحبسه فاغتم وكان سبب موته في مثل كثيرة يطول نقلها ، فيكون لفظ الحديث لبيان سنية الإيتار في البخور والتطيب وإن استدل بأن الحجر لا يزيل ، ولذا ينجس الماء القليل إذا دخله المستنجى به فلقائل أن يمنعه ويقول جاز اعتبار الشرع طهارته بالمسح كالنعل ، وقد أجروا الروايتين في الأرض تصيبها النجاسة فتجف ثم تبتل والثوب يفرك من المني ثم يبتل في عدة نظائر قدمناها ، وقياسه أن يجريا أيضا في السبيل ، اللهم إلا أن يكون إجماع في التنجس بدخول المستنجى به ، ثم المختار عند كثير في تلك النظائر أن لا يعود نجسا ، وقياس قولهم أن لا يعود السبيل نجسا ويلزمه أن لا ينجس الماء .

وقد صرح باختلاف في تنجس السبيل بإصابة الماء ، فعلى أحد القولين لا ينجس الماء صريحا ، هذا وأجمع المتأخرون أنه لا ينجس بالعرق حتى لو سال العرق منه وأصاب الثوب والبدن أكثر من قدر الدرهم لا يمنع ، والذي يدل على اعتبار الشارع طهارته بالحجر ونحوه ما روى الدارقطني عن أبي هريرة { أنه صلى الله عليه وسلم نهى أن يستنجى بروث أو عظم ، وقال : إنهما لا يطهران } وقال إسناده صحيح ، فعلم أن ما أطلق الاستنجاء به يطهر إذ لو لم يطهر لم يطلق الاستنجاء به بحكم هذه العلة .




الخدمات العلمية