الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 265 ] قال ( وينوي للصلاة التي يدخل فيها بنية لا يفصل بينها وبين التحريمة بعمل ) والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام { الأعمال بالنيات } ولأن ابتداء الصلاة بالقيام وهو متردد بين العادة والعبادة ولا يقع التمييز إلا بالنية ، والمتقدم على التكبير كالقائم عنده إذا لم يوجد ما يقطعه وهو عمل لا يليق بالصلاة ولا معتبر بالمتأخرة منها عنه لأن ما مضى لا يقع عبادة لعدم النية ، وفي الصوم جوزت للضرورة ، والنية هي الإرادة ، [ ص: 266 ] والشرط أن يعلم بقلبه أي صلاة يصلي . أما الذكر باللسان فلا معتبر به ، ويحسن ذلك لاجتماع عزيمته . ثم إن كانت الصلاة نفلا يكفيه مطلق النية ، وكذا إن كانت سنة [ ص: 267 ] في الصحيح ، وإن كانت فرضا فلا بد من تعيين الفرض كالظهر مثلا لاختلاف الفروض [ ص: 268 ] ( وإن كان مقتديا بغيره نوى الصلاة ومتابعته ) [ ص: 269 ] لأنه يلزمه فساد الصلاة من جهته فلا بد من التزامه قال .

التالي السابق


( قوله لقوله صلى الله عليه وسلم { الأعمال بالنيات } ) حديث مشهور متفق على صحته ، وأما ألفاظه { فإنما الأعمال بالنيات } ، وبالنية ، { والأعمال بالنية } ، { والعمل بالنية } كلها في الصحيح . وأما { الأعمال بالنيات } كما في الكتاب فقال النووي في كتابه بستان العارفين ولم يكمله نقلا عن الحافظ أبي موسى الأصفهاني : إنه لا يصح إسناده ، وأقرأه ونظر بعضهم فيه إذ قد رواه كذلك ابن حبان في صحيحه والحاكم في أربعينه ، ثم حكم بصحته . قلت : وهي رواية إمام المذهب في مسند أبي حنيفة ، رواه عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص الليثي عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { الأعمال بالنيات } الحديث ، ورواه ابن الجارود في المنتقى { إن الأعمال بالنية ، وإن لكل امرئ ما نوى } ( قوله والمتقدم إلخ ) في الخلاصة : ونوى قبل الشروع ، عن محمد رحمه الله : لو نوى [ ص: 266 ] عند الوضوء أنه يصلي الظهر أو العصر مع الإمام ولم يشتغل بعد النية بما ليس من جنس الصلاة إلا أنه لما انتهى إلى مكان الصلاة لم تحضره النية جازت صلاته بتلك النية ، وهكذا روي عن أبي حنيفة وأبي يوسف .

وعبارة المصنف في التجنيس : إذا توضأ في منزله ليصلي الظهر ثم حضر المسجد وافتتح الصلاة بتلك النية ، فإن لم يشتغل بعمل آخر يكفيه ذلك ، هكذا قال محمد رحمه الله في الرقيات لأن النية المتقدمة تبعتها إلى وقت الشروع حكما كما في الصوم إذا لم يبدلها بغيرها ا هـ .

وعن محمد بن سلمة : إن كان عند الشروع بحيث لو سئل أية صلاة يصلي يجيب على البديهة من غير تفكر فهي نية تامة ، ولو احتاج إلى التأمل لا يجوز . قلت : فقد شرطوا عدم ما ليس من جنس الصلاة لصحة تلك النية مع تصريحهم بأنها صحيحة مع العلم بأنه يتخلل بينها وبين الشروع المشي إلى مقام الصلاة وهو ليس من جنسها . فلا بد من كون المراد بما ليس من جنسها ما يدل على الإعراض ، بخلاف ما لو اشتغل بكلام أو أكل .

أو نقول : عد المشي إليها من أفعالها غير قاطع للنية ، وفيها : أجمع أصحابنا رحمهم الله أن الأفضل أن تكون مقارنة للشروع ولا تكون شارعا بمتأخرة ، وعن الكرخي يجوز .

واختلفوا فيه على قوله ، قيل إلى التعوذ وقيل إلى الركوع ، وقيل إلى الرفع ( قوله والشرط أن يعلم ) قيل ليس العلم نية ولذا لو نوى الكفر غدا كفر في الحال ، ولو علم الكفر لا يكفر بل هي قصد الفعل وأنت علمت أنالمصنف فسرها بالإرادة ، وإنما أراد الشرط في اعتبارها علمه أي الصلاة هي أي التمييز ، فحاصل كلامه النية الإرادة للفعل وشرطها التعيين في الفرائض ( قوله ويحسن ذلك إلخ ) قال بعض الحفاظ : لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق صحيح ولا ضعيف [ ص: 267 ] أنه كان يقول عند الافتتاح أصلي كذا ، ولا عن أحد من الصحابة والتابعين ، بل المنقول أنه كان صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة كبر وهذه بدعة ا هـ .

وقد يفهم من قول المصنف لاجتماع عزيمته أنه لا يحسن لغير هذا القصد ، وهذا لأن الإنسان قد يغلب عليه تفرق خاطره ، فإذا ذكره بلسانه كان عونا على جمعه . ثم رأيته في التجنيس قال : والنية بالقلب لأنه عمله ، والتكلم لا معتبر به ، ومن اختاره اختاره لتجتمع عزيمته ( قوله في الصحيح ) احتراز عن قول جماعة : إنه لا يكفيه لأداء السنة لأن السنة وصف زائد على أصل الصلاة كوصف الفرضية فلا يحصل بمطلق نية الصلاة ، والمحققون على عدم اشتراطها .

وتحقيق الوجه فيه أن معنى السنية كون النافلة مواظبا عليها من النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفريضة المعينة وقبلها ، فإذا أوقع المصلي النافلة في ذلك المحل صدق عليه أنه فعل الفعل المسمى سنة .

فالحاصل أن وصف السنة يحصل بنفس الفعل على الوجه الذي فعله صلى الله عليه وسلم وهو إنما كان يفعل على ما سمعت ، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن ينوي السنة بل الصلاة لله تعالى ، فعلم أن وصف السنة ثبت بعد فعله على ذلك الوجه تسمية منا لفعله المخصوص لأنه وصف يتوقف حصوله على نيته .

وقد حصلت مقاولة في كتابة بعض أشياخ حلب أن الأربع التي تصلى بعد الجمعة ينوي بها آخر ظهر أدركت وقته ولم أؤده بعد في موضع يشك في صحة الجمعة إذا ظهر صحة الجمعة تنوب عن سنة الجمعة ، وأنكره الآخر . واستفتي بعض أشياخ مصر رحمهم الله فأفتى بعدم الإجزاء ، فقلت : هذه الفتوى تتفرع على اشتراط تعيين السنة في النية ، وما قاله الحلبي بناء على التحقيق فإنه إذا نوى آخر ظهر فقد نوى أصل الصلاة بوصف .

فإذا انتفى الوصف في الواقع وقلنا على المختار من المذهب إن بطلان الوصف لا يوجب بطلان أصل الصلاة بقي نية أصل الصلاة وبها تتأدى السنة ثم راجعت المفتي المصري وذكرت له هذا فرجع دون توقف هذا الأمر الجائز ، فأما الاحتياط فأن ينوي في السنة الصلاة متابعة للنبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يخفى تقيد وقوعها عن السنة إذا صحت الجمعة بما إذا لم يكن عليه ظهر فائت ( قوله كالظهر مثلا ) أي إذا قرن باليوم وإن خرج الوقت لأن غايته أنه قضاء بنية الأداء أو بالوقت ولم يكن خرج الوقت ، فإن خرج ونسيه لا يجزئه في الصحيح وفرض الوقت كظهر الوقت إلا في الجمعة فإنها بدل فرض الوقت لا نفسه ، إلا أن يكون اعتقاده أنها فرض الوقت ، فإن نوى الظهر لا غير اختلف فيه ، قيل لا يجزئه لاحتمال فائتة عليه ، وفي فتاوى العتابي الأصح أنه يجزئه وعلم مما ذكر أن من فاتته الظهر فنوى الظهر والعصر في وقت العصر مثلا لا يصير شارعا في واحدة منهما .

وفي المنتقى : إن كان في الوقت سعة يصير شارعا في الظهر . وفي الخلاصة : فإن نوى مكتوبتين فائتتين كانت للأولى منهما انتهى . ولو جمع بين فرض ونفل [ ص: 268 ] يصير شارعا في الفرض عند أبي يوسف رحمه الله ، وأبطلها محمد رحمه الله .

وهذا لا يقتضي عدم اشتراط قطع النية لصحة المنوي بأدنى تأمل لقطعها على الصلاتين جميعا ، بخلاف ما لو أدرك الإمام قاعدا ولا يعلم أي القعدتين فنوى في اقتدائه أنها إن كانت للأولى اقتديت به أو الأخيرة فلا فإنه لا يصح الاقتداء أصلا لأن النية متردد فيها ، وكذا لو نوى إن كانت الأولى اقتديت به في الفريضة وإن كانت الثانية ففي التطوع لا يصح اقتداؤه به في الفريضة ، ولو نوى إن كان في الفريضة اقتديت به أو في التراويح أو سنة كذا اقتديت به صح اقتداؤه به في التراويح لأنه لا تردد في نية أصل الصلاة وهو كاف للسنة كما سنذكر ، بخلاف ما لو نوى إن كان في العشاء اقتديت به أو في التراويح فلا لا يصح اقتداؤه في واحدة منهما .

وعلم أيضا أنه لو لم يعرف افتراض الخمس إلا أنه يصليها في أوقاتها لا تجوز ، وكذا لو اعتقد منهما فرضا ونفلا ولا يميز ولم ينو الفرض فيها ، فإن نوى الفرض في الكل جاز ، ولو ظن الكل فرضا جاز ، وإن لم يظن ذلك فكل صلاة صلاها مع الإمام جاز إن نوى صلاة الإمام ، وكما يحتاج إلى التعيين في الأداء كذلك في القضاء ، حتى إذا كثرت الفوائت يحتاج إلى ظهر يوم كذا أو أول ظهر أو آخر ظهر عليه ، وكذا في الباقي لأن ما يلي ذلك المقضي ويصير أولا في نية الأول وآخرا في نية الآخر ، ولو لم يعين جاز ، بخلاف ما لو كان عليه قضاء يومين من رمضان فقضى يوما ولم يعين جاز .

والأولى أن يعين أول يوم وثاني يوم لأن سبب الصلاة متعدد وبه يتعدد المسبب فلا بد من التعيين ، بخلاف الصوم لأن سببه الشهر ، ولذا لو كانا من رمضانين وجب التعيين ، كذا في فتاوى قاضي خان .

ثم ذكر في كتاب الصوم وحكى فيه اختلاف المشايخ وصحح أنه يجزئه مع عدم التعيين إذا كانا من رمضانين . وقد يقال : صرحوا بأن كل يوم سبب لوجوب صومه ولذا لم يكتف للكل بنية واحدة فصار اليومان كالظهرين لكنا سنبين ما يرفع هذا الإشكال ، وللتعيين لو فاتته عصر فصلى أربعا عما عليه وهو يرى أن عليه الظهر لم يجز كما لو صلاها قضاء عما عليه وقد جهله ولذا قال أبو حنيفة رحمه الله : فيمن فاتته صلاة واشتبهت عليه إنه يصلي الخمس ليتيقن ، ولو نوى فرضا وشرع فيه ثم نسي فظنه تطوعا فأتمه على أنه تطوع فهو فرض مسقط لأن النية المعتبرة إنما يشترط قرانها بالجزء الأول .

ومثله إذا شرع بنية التطوع فأتمها على ظن المكتوبة فهي تطوع ، بخلاف ما لو كبر حين شك ينوي التطوع في الأول أو المكتوبة في الثاني حيث يصير خارجا إلى ما نوى ثانيا لقران النية بالتكبير ، وستأتي بقية هذه ، ولا يشترط نية استقبال القبلة وإن نوى مقام إبراهيم صلى الله عليه وسلم فالصحيح أنه لا يجزئه إلا أن ينوي به جهة الكعبة ، فإن نوى المحراب لا تجوز ثم من يشترط نية الكعبة ينوي العرصة ولا بد ( قوله ومتابعته ) الإمام ، فإن نوى صلاة الإمام لا يجزئه ، وقيل إذا انتظر تكبير الإمام ثم كبر بعده كان مقتديا .

وقال شيخ الإسلام : إذا أراد التسهيل على نفسه يقول شرعت في صلاة الإمام . قال ظهير الدين : ينبغي أن يزيد على هذا قوله واقتديت به ، والأفضل أن ينوي الاقتداء عند [ ص: 269 ] افتتاح الإمام ، فإن نوى حين وقف عالما به بأنه لم يشرع جاز ، وإن نوى ذلك على ظن أنه شرع ولم يشرع اختلف فيه .

قيل لا يجوز وإذا صحت النية لا يصح الخروج عما شرع فيه بالتكبير بنية الاستقبال إلا في المسبوق قام إلى القضاء ، وسيأتي باقي فروعها من بعد إن شاء الله تعالى . وفي الظهيرية ينبغي أن لا يعين الإمام عند كثرة الجماعة : يعني كي لا يظهر كونه غير المعين فلا يجوز فينبغي أن ينوي القائم في المحراب كائنا من كان ، ولو لم يخطر بباله أنه زيد أو عمرو جاز اقتداؤه ، ولو نوى بالإمام القائم وهو يرى أنه زيد وهو عمرو صح اقتداؤه لأن العبرة لما نوى لا لما يرى وهو نوى الاقتداء بالإمام ، بخلاف ما لو نوى الاقتداء بزيد فإذا هو عمرو لا يجوز لأن العبرة لما نوى ، ومثله في الصوم ولو نوى قضاء يوم الخميس فإذا عليه غيره لا يجوز ، ولو نوى قضاء ما عليه من الصوم وهو يظنه يوم الخميس وهو غيره جاز ، ولو كان يرى شخصه فنوى الاقتداء بهذا الإمام الذي هو زيد فإذا هو خلافه جاز لأنه عرفه بالإشارة فلغت التسمية .

وكذا لو كان آخر الصفوف لا يرى شخصه فنوى الاقتداء بالإمام القائم في المحراب الذي هو زيد فإذا هو غيره جاز أيضا أو مثل ما ذكرنا في الخطأ في تعيين الميت ، فعند الكثرة ينوي الميت الذي يصلي عليه الإمام ( قوله لأنه يلزمه فساد الصلاة من جهته إلخ ) لهذا احتيج إلى نية إمامة النساء لصحة اقتدائهن على ما سيأتيك




الخدمات العلمية