الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 322 ] ( ولو قال له يا ابن الزانية وأمه ميتة محصنة فطالب الابن بحده حد القاذف ) لأنه قذف محصنة بعد موتها ( ولا يطالب بحد القذف للميت إلا من يقع القدح في نسبه بقذفه وهو الوالد والولد ) لأن العار يلتحق به لمكان الجزئية فيكون القذف متناولا له معنى . وعند الشافعي يثبت حق المطالبة لكل وارث لأن حد القذف يورث عنده على [ ص: 323 ] ما نبين ، وعندنا ولاية المطالبة ليست بطريق الإرث بل لما ذكرناه ، ولهذا يثبت عندنا للمحروم عن الميراث بالقتل ، ويثبت لولد البنت كما يثبت لولد الابن خلافا لمحمد ، ويثبت لولد الولد حال قيام الولد خلافا لزفر .

التالي السابق


( قوله ولو قال له يا ابن الزانية وأمه ميتة محصنة كان للولد المطالبة بحده ) فإذا طالب به حد القاذف ( ولا يطالب بحد القذف للميت إلا من يقع القدح في نسبه بقذفه ) وهو الوالد وإن علا والولد وإن سفل ، لأن العار يلتحق بهما للجزئية فيكون القذف متناولا معنى لهما فلذلك يثبت لهما حق المطالبة ، لكن لحوقه لهما بواسطة لحوق المقذوف بالذات فهو الأصل في ذلك فهو الأصل في الخصومة ، لأن العار يلحقه [ ص: 323 ] مقصودا فلا يطالب غيره بموجبه إلا عند اليأس عن مطالبته وذلك بأن يكون ميتا ، فلذا لو كان المقذوف غائبا لم يكن لولده ولا لوالده المطالبة خلافا لابن أبي ليلى لأنه يجوز أن يصدقه الغائب ، وما ذكرنا من أن حق المطالبة يثبت للأب وإن علا ذكره الفقيه أبو الليث .

وفي فتاوى قاضي خان : رجل قذف ميتا فلولده وولد ولده ووالده أن يأخذ القاذف ويحده ، وولد الابن وولد البنت سواء في ظاهر الرواية ، ولا يأخذه بذلك أخ ولا عم ولا جد أبو الأب ولا أم الأم ولا عمة ولا مولاه . وعند الشافعي ومالك وأحمد أيضا تثبت المطالبة لكل وارث بناء على أنه يورث عنده ، ففي فتاوى القاضي قال محمد : لكل من يرثه ويورث منه أن يأخذ القاذف ويحده ا هـ . وهذه رواية غريبة عن محمد . ثم للشافعية فيمن يرثه ثلاثة أوجه : أحدها أن يرثه جميع الورثة . والثاني غير الوارث بالزوجية . والثالث يرثه ذكور العصبات لا غيرهم ( وعندنا ليس بطريق الإرث بل لما ذكرنا ) من لحوق العار ، ولذا لا يثبت للأخ عندنا حق المطالبة به لأن قرابة الولاد بمنزلة نفس الإنسان . فاللاحق من العار للإنسان كاللاحق لنفس ولده ووالده ، بخلاف الأخ لا يلحقه ضرر عار زنا أخيه كما لا يلحقه النفع بانتفاع أخيه ، ولعلم الشرع بذلك أجاز شهادة الأخ لأخيه ، فليس لأخي المقذوف ولا لعمه وخاله المطالبة بحد القذف ، ولم تجز شهادة الولد والوالد لأنهما في حكم نفس المشهود له ( ولهذا ) أعني لكون حق المطالبة للحوق العار غير دائر مع الإرث ( يثبت للمحروم عن الميراث بالقتل ) أو الرق أو الكفر فلقاتل أبيه أن يطالب قاذفه بعد قتله بحد القذف ، وكذا إذا كان الولد عبدا أو كافرا خلافا لزفر رحمه الله ( ويثبت لولد بنت المقذوف كما يثبت لولد الابن خلافا لمحمد ) ويثبت للأبعد مع وجود الأقرب ( وكذا يثبت لولد الولد ) حق المطالبة ( مع وجود الولد خلافا لزفر ) ولو عفا بعضهم كان لغيره أن يطالب به لأنه للدفع عن نفسه .

وقوله ( خلافا لمحمد ) يعني في رواية ليست هي ظاهر الرواية عنه ، ووجهها أن نسبه إلى أبيه وهو أجنبي عن جدته لأمه بدليل أنه لم يدخل في لفظ ولد الولد ولذا لو وقف على أولاده وأولاد أولاده لا يدخل ابن البنت في ظاهر الرواية . وجه الظاهر عنهم أو لا يمنع عدم الدخول بل يدخل [ ص: 324 ] كقول الخصاف وقد اختاره جماعة في الوقف ، وثانيا بتقدير التسليم أن المبنى مختلف لأن مبنى ثبوت الخصومة في حق القذف ثبوت الجزئية المستلزمة لرجوع عار المنسوب إلى الإنسان إلى الآخر ، وثبوت الوقف عليه بثبوت تبادر ولد البنت من قولنا أولاد فلان لأنه وقف على من يسمى به .

فإذا لم يتبادر لا يشمله الوقف وصار كالوصية لأولاد أولاد فلان لا يدخل أولاد بناته لهذا . وجه قول زفر إن ما يلحق الولد فوق ما يلحق ولد الولد فصار ولد الولد مع الولد كولد المقذوف معه واعتبره بالخصومة في الكفاءة فإنه لا خصومة للأبعد مع وجود الأقرب . والجواب منع أن ما يلحق الأقرب فوق ما يلحق الأبعد بل لكل من ينسب إلى المقذوف بالجزئية لحقه من العار مثل ما لحق الآخر لاتحاد الجهة والتبعية ، بخلاف المقذوف مع ولده لأنه لحقه العار مقصودا بالإلحاق به دون ولده وولد ولده .

وأما حق خصومة الكفاءة فإنما يثبت للأقرب بالحديث وهو قوله صلى الله عليه وسلم { الإنكاح إلى العصبات } فعلم ترتبهم في ذلك لأن الاسم يشعر به حيث علم أن حكمه ذلك . فإن قلت : قد ظهر الاتفاق على ولاية مطالبة ولد الولد بقذف جده وجدته إنما خالف زفر في ذلك عند وجود الأقرب فما وجه ما في قاضي خان فإذا قال جدك زان لا حد عليه . قلنا : ذلك للإيهام لأن في أجداده من هو كافر فلا يكون قاذفا ما لم يعين مسلما ، بخلاف قوله أنت ابن ابن الزانية لأنه قاذف لجده الأدنى ، فإن كان أو كانت محصنة حد




الخدمات العلمية