الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولا يصلي المفترض خلف المتنفل ) لأن الاقتداء بناء ، ووصف الفرضية ومعدوم في حق الإمام فلا يتحقق البناء على المعدوم . قال ( ولا من يصلي فرضا خلف من يصلي فرضا آخر ) لأن الاقتداء شركة وموافقة فلا بد من الاتحاد . وعند الشافعي رحمه الله يصح في جميع ذلك [ ص: 372 - 373 ] لأن الاقتداء عندما أداه على سبيل الموافقة ، وعندنا معنى التضمن مراعى ( ويصلي المتنفل خلف المفترض ) لأن الحاجة في حقه إلى أصل الصلاة وهو موجود في حق الإمام فيتحقق البناء .

التالي السابق


( قوله ولا من يصلي فرضا خلف من يصلي فرضا آخر ) وقولنا قول مالك وأحمد ولا يجوز الناذر بالناذر ، إلا أن ينذر نفس ما نذره الآخر من الصلاة ويجوز الحالف بالحالف لأن الواجب هنا البر فبقيت الصلاتان نفلا في نفسهما ، ولذا صح الحالف بالناذر بخلاف المنذور لأنه واجب . وقد اختلف السبب فصار كظهر الأمس بمن يصلي ظهر اليوم ، ومصليا ركعتي الطواف كالناذرين لأن طواف هذا غير طواف الآخر وهو السبب ، فلا يجوز اقتداء أحدهما بالآخر ، ولو اشتركا في نافلة فأفسداها صح أحدهما بالآخر في القضاء ، وإن أفسدا منفردين نفلا فلا ولا خلف الناذر ، ولو صليا الظهر ونوى كل إمامة الآخر صحت صلاتهما لأن الإمام منفرد في حق نفسه فهي نية الانفراد حينئذ فلو نوى كل الاقتداء بالآخر فسدت ، وتجوز السنة بعد الظهر بالسنة التي قبلها وسنة العشاء بالتراويح ، وأما الاقتداء في الوتر بمن يرى أنه سنة فسنذكره في باب الوتر إن شاء الله تعالى ( قوله وعند الشافعي رحمه الله ) إذا ثبت جواز الفرض بالنفل ثبت في الكل فلنتكلم عليه . تمسك فيه بما في الصحيحين عن جابر { أن معاذا كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عشاء الآخرة ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة } لفظ مسلم . وفي لفظ البخاري : { فيصلي بهم الصلاة المكتوبة } ذكره في كتاب الأدب . وروى الشافعي رحمه الله عن جابر : { كان معاذ بن جبل يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء ثم ينطلق إلى قومه فيصليها بهم هي له تطوع ولهم فريضة } . وأجيب [ ص: 372 ] بأن الاحتجاج به من باب ترك الإنكار من النبي صلى الله عليه وسلم وشرط ذلك علمه وجاز عدم ، يدل عليه ما رواه الإمام أحمد عن سليم { رجل من بني سلمة أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن معاذ بن جبل يأتينا بعدما ننام ونكون في أعمالنا بالنهار فينادي بالصلاة فنخرج إليه فيطول علينا فقال له صلى الله عليه وسلم : يا معاذ لا تكن فتانا ، إما أن تصلي معي ، وإما أن تخفف عن قومك } فشرع له أحد الأمرين الصلاة معه ولا يصلي بقومه ، أو الصلاة بقومه على وجه التخفيف ولا يصلي معه ، هذا حقيقة اللفظ أفاد منعه من الإمامة إذا صلى معه صلى الله عليه وسلم ولا تمنع إمامته بالاتفاق ، فعلم أنه منعه من الفرض . وقيل إن تلك الزيادة : أعني هي له تطوع إلى آخره من كلام الشافعي رحمه الله بناء على اجتهاده ، ولهذا لا تعرف إلا من جهته ، وبعد هذا يرد حديث جابر { أقبلنا إلى أن قال : حتى إذا كنا بذات الرقاع إلى أن قال : ثم نودي بالصلاة فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين ، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات وللقوم ركعتين } . وروى الشافعي رحمه الله عن جابر { أنه صلى الله عليه وسلم صلى ببطن نخلة ، فصلى بطائفة ركعتين ثم سلم . ثم جاءت طائفة أخرى فصلى بهم ركعتين ثم سلم } وشيخ الشافعي فيه مجهول ، فإنه قال : أخبرنا الثقة ابن علية أو غيره عن يونس عن الحسن عن جابر ، والأول إنما يتم له به حجة إلزامية لأن كون فرض المسافر ركعتين والأخريان نافلة إنما هو عندنا ، إذ عند الشافعي يقع الكل فرضا فلا يتم له به حجة على مذهبه . وأجاب الطحاوي عنه وعن حديث معاذ بأنه منسوخ ، أو يحتمل أنه كان حين كانت الفريضة تصلى مرتين ثم نسخ . وروى حديث ابن عمر : { نهى أن تصلى فريضة في يوم مرتين } ، قال : والنهي لا يكون إلا بعد الإباحة . ونوزع في ذلك بأنه نسخ بالاحتمال . والجواب أن مراده الحمل على النسخ ترجيحا بضرب من الاجتهاد ، وهذا صحيح بل واجب إذ يجب الترجيح ما أمكن ، ومرجعه الحمل على النسخ في كل متعارضين ثبتت صحتهما ، وإن عبرنا في وجه الترجيح بلفظ آخر نحو أن نقول هذا محرم فيقدم على ذلك المبيح فإنه يستلزم حمل ذلك المبيح على النسخ وإن لم يصرح به ، وهذا لأن الفرض أن المبيح قد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قاله ، وكونه قال أيضا : المحرم لا يستلزم كون العمل به إذ يجوز أن يكون المبيح هو المتأخر في نفس الأمر منه صلى الله عليه وسلم فيكون المقصود منه الآن تقرير الإباحة ، فتقديم المحرم عند الجهل بالمقدم معناه أنه أشد الحكمين فنحمله على التأخر وذلك على التقدم احتياطا : أي عملا بأشق الأمرين عند عدم العلم بخصوص المتقرر ، وإلا فليس معنى الاحتياط أن العمل به يتيقن معه بالعمل بالمتأخر المتقرر في نفس الأمر ; إذا عرفت هذا فمعنى حمله على النسخ أنه ثبت صلاة الخوف على ما ذكر ، وثبت بعد سنين من الهجرة أنه صلى بالطائفتين صلاة واحدة مع المنافي بكل طائفة ، فلو جاز اقتداء المفترض بالمتنفل لأتم بكل طائفة [ ص: 373 ] لأن تحمل المنافي لا يجوز عند عدم الضرورة ، فهذا يدل على عدم جواز الفرض بالنفل ، وكذا قوله صلى الله عليه وسلم { الإمام ضامن } وسنذكره بسند صحيح ، والأول عكسه ، فيقدم هذا ويحمل ذلك على ما عهد ثم نسخ من تكرر الفرض تقديما للمانع على المجوز . هذا ثم قيل إنما لا يجوز اقتداء المفترض بالمتنفل في جميع الصلاة لا في البعض ، فإن محمدا ذكر إذا رفع الإمام رأسه من الركوع فاقتدى به إنسان فسبق الإمام الحدث قبل السجود فاستخلفه صح ويأتي بالسجدتين ويكونان نفلا للخليفة حتى يعيدهما بعد ذلك ، وفرضا في حق من أدرك أول الصلاة ، وكذا المتنفل إذا اقتدى بالمفترض في الشفع الثاني يجوز ، وهو اقتداء المفترض بالمتنفل في حق القراءة ، والعامة على المنع مطلقا ، ومنعوا نفلية السجدتين بل هما فرض على الخليفة ، ولذا لو تركهما فسدت لأنه قام مقام الأول فلزمه ما لزمه . وقالوا : صلاة المتنفل المقتدي أخذت حكم الفرض بسبب الاقتداء ، ولهذا لزمه قضاء ما لم يدركه مع الإمام من [ ص: 374 ] الشفع الأول ، وكذا لو أفسد عن نفسه يلزمه قضاء الأربع




الخدمات العلمية