الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 30 ] قال ( وكذا العنب بالزبيب ) يعني على الخلاف والوجه ما بيناه .

وقيل لا يجوز بالاتفاق اعتبارا بالحنطة المقلية بغير المقلية ، والرطب بالرطب يجوز متماثلا كيلا عندنا لأنه بيع التمر بالتمر ، وكذا بيع الحنطة الرطبة أو المبلولة بمثلها أو باليابسة ، أو التمر أو الزبيب المنقع بالمنقع منهما متماثلا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله .

وقال محمد رحمه الله لا يجوز جميع ذلك لأنه يعتبر المساواة في أعدل الأحوال وهو المال ، وأبو حنيفة رحمه الله يعتبره في الحال ، [ ص: 31 ] وكذا أبو يوسف رحمه الله عملا بإطلاق الحديث إلا أنه ترك هذا الأصل في بيع الرطب بالتمر لما رويناه لهما .

ووجه الفرق لمحمد رحمه الله بين هذه الفصول وبين الرطب بالرطب أن التفاوت فيما يظهر مع بقاء البدلين على الاسم الذي عقد عليه العقد ، وفي الرطب بالتمر مع بقاء أحدهما على ذلك فيكون تفاوتا في عين المعقود عليه ، وفي الرطب بالرطب [ ص: 32 ] التفاوت بعد زوال ذلك الاسم فلم يكن تفاوتا في المعقود عليه فلا يعتبر .

التالي السابق


( قوله وكذا العنب بالزبيب : يعني على الخلاف ) عند أبي حنيفة يجوز مع التساوي كيلا وعندهما لا يجوز . وقوله ( والوجه ما بيناه ) لهما يعني في منع بيع الرطب بالتمر وهو قوله صلى الله عليه وسلم { أينقص إذا جف } باعتبار اشتماله على العلة المنبه عليها . ولأبي حنيفة أن الزبيب إما من جنس العنب فيجوز متساويا أو لا فيجوز مطلقا . ونقل القدوري في التقريب عن أبي جعفر أن جواز بيع الزبيب بالعنب قولهم جميعا .

وذكر أبو الحسن أن عندهما لا يجوز إلا على الاعتبار ، فقال المصنف ( وقيل لا يجوز بالاتفاق اعتبارا بالحنطة المقلية بغير المقلية ) فإنه لا يجوز البيع لأن القلي كائن بصنع العباد فتعدم اللطافة التي كانت الحنطة بها مثلية ، بخلاف التفاوت الحاصل بأصل الحلقة كالرطب مع التمر والعنب مع الزبيب لا يعتبر فهذا هو الأصل ، فصار في بيع العنب بالزبيب أربع روايات : لا يجوز اتفاقا ، يجوز اتفاقا وهي رواية أبي جعفر ، على الخلاف وهي رواية الكتاب ، يجوز عنده ، وعندهما لا يجوز إلا على الاعتبار لأن الزبيب موجود في العنب فصار كالزيت بالزيتون . والفرق لأبي حنيفة على رواية المنع بين العنب بالزبيب وجواز الرطب بالتمر أن الاستعمال ورد بإطلاق اسم التمر على الرطب ولم يرد مثل هذا في الزبيب فافترقا ( وأما الرطب بالرطب فيجوز متماثلا كيلا ) وكذا العنب بالعنب يجوز ( عندنا ) وبه قال مالك وأحمد والمزني خلافا للشافعي ، وكذا الخلاف في كل ثمرة لها حال جفاف كالتين والمشمش والجوز والكمثرى والرمان والإجاص لا يجيز بيع رطبه برطبه ، كما لا يجيز بيع رطبه بيابسه لأنه لا يعرف قدر النقصان إذ قد يكون نقصان أحدهما أكثر من الآخر ، وكذا الخلاف في الباقلاء الأخضر بمثله ، لأن بين الباقلائتين فضاء يتفاوت فيمنع تعديل الكيل فكان كبيع الحنطة المقلية بغير المقلية ، وبيع الحنطة المبلولة بالمبلولة والرطبة بالرطبة أو المبلولة باليابسة يجوز ، وكذا بيع التمر المنقع والزبيب المنقع بالمنقع واليابس منهما يجوز عند أبي حنيفة وأبي يوسف خلافا لمحمد في الفصول كلها من بيع الحنطة المبلولة إلى هنا .

والمنقع اسم مفعول من أنقع الزبيب في الخابية فهو منقع . وأصله أن محمدا يعتبر المساواة في أعدل الأحوال وهو المآل عند الجفاف كما أشار إليه حديث سعد ، وذلك منتف في المبلولة والرطبة مع مثلها أو اليابسة . أما مع اليابسة فظاهر ، وأما المبلولة مع المبلولة فالتفاوت يقع في قدر البلل ، قال الحلواني : الرواية محفوظة عن محمد [ ص: 31 ] أن بيع الحنطة المبلولة باليابسة إنما لا يجوز إذا انتفخت ، أما إذا بلت من ساعتها يجوز بيعها باليابسة إذا تساويا كيلا . وأبو حنيفة .

وأبو يوسف يعتبران المساواة بتأويل التساوي في الحال ( عملا بإطلاق الحديث ) أي حديث عبادة بن الصامت وغيره ( إلا أن أبا يوسف ترك هذا الأصل في بيع الرطب بالتمر لما رويناه ) من حديث سعد بن أبي وقاص وهو مخصوص من القياس فلا يلحق به إلا ما كان في معناه ، والحنطة الرطبة ليست في معنى الرطب من كل وجه ، والرطوبة في الرطب مقصودة وفي الحنطة عيب .

وفي المبسوط ذكر في بعض النسخ قول أبي يوسف مع أبي حنيفة وهو قوله الآخر ، وقوله الأول كقول محمد ، وقد نقض ما تقدم من الأصل وهو أن التفاوت بصنع العباد معتبر في المنع ، وما بأصل الخلقة لا بالحنطة المبلولة فإن الرطوبة الحاصلة فيها بصنع العباد وبها يحصل التفاوت مع أنه جاز العقد . أجيب بأن الحنطة في أصل الخلقة رطبة وهي مال الربا إذ ذاك والبل بالماء يعيدها إلى ما هو أصل الخلقة فيها فلم يعتبر بخلاف القلي ( ووجه الفرق لمحمد بين هذه الفصول ) من بيع الحنطة الرطبة إلى هنا حيث منعه ( وبين الرطب بالرطب ) حيث أجازه ، وكذلك بين العنب بالعنب فإنه يجيزه ، وحاصله ( أن التفاوت ) إن ظهر مع بقاء الاسم على البدلين أو أحدهما فسد العقد ، وإن ظهر بعد زوال الاسم عنهما لا يفسد ، ففي الرطب بالرطب والعنب بالعنب يظهر التفاوت بعد خروج البدلين عن الاسم الذي عقد عليه العقد ، فإن الاسم حينئذ التمر والزبيب فلا يكون تفاوتا في المعقود عليه ، وفي الحنطة المبلولة وما في معناه لا يتغير فيظهر في نفس المعقود عليه فيمتنع




الخدمات العلمية