الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال : ومن اشترى بيتا في دار أو منزلا أو مسكنا لم يكن له الطريق إلا أن يشتريه بكل حق هو له أو بمرافقه أو بكل قليل وكثير ، ( وكذا الشرب والمسيل ) لأنه خارج الحدود إلا أنه من التوابع فيدخل بذكر التوابع ، بخلاف الإجارة لأنها تعقد للانتفاع فلا يتحقق إلا به ، إذ المستأجر لا يشتري الطريق عادة ولا يستأجره فيدخل تحصيلا للفائدة المطلوبة منه ، أما الانتفاع بالمبيع ممكن بدونه لأن المشتري عادة يشتريه ، وقد يتجر فيه فيبيعه من غيره فحصلت الفائدة ، والله تعالى أعلم .

التالي السابق


( قوله ومن اشترى بيتا في دار أو منزلا ) فيها ( أو مسكنا ) فيها ( لم يكن له الطريق ) في هذه الدار إلى ذلك المشترى ( إلا أن يشتريه بكل حق أو بمرافقه أو بكل قليل وكثير ، وكذا الشرب والمسيل لأنه خارج الحدود إلا أنه من التوابع فيدخل بذكرها ) وفي المحيط : المراد الطريق الخاص في ملك إنسان ، فأما طريقها إلى سكة غير نافذة وإلى طريق عام فيدخل ، وكذا ما كان له من حق تسييل الماء وإلقاء الثلج في ملك إنسان خاصة .

وقال فخر الإسلام : إذا كان طريق الدار المبيعة أو مسيل مائها في دار أخرى لا يدخل من غير ذكر الحقوق لأنه ليس من هذه الدار فلا يدخل إلا بذكر الحقوق ، إلا أن تعليله بقوله لأنه ليس من هذه الدار يقتضي أن الطريق الذي هذه الدار يدخل وهو غير ما في الكتاب .

فالحق أن كلا منهما لا يدخل ، لأنه وإن كان في هذه الدار فلم يشتر جميع هذه الدار إنما اشترى شيئا معينا منها فلا يدخل ملك البائع وملك الأجنبي إلا بذكره .

ثم قال : فإن قال البائع ليس للدار المبيعة طريق في دار أخرى فالمشتري لا يستحق الطريق بغير حجة ولكن له أن يردها بالعيب .

وكذا لو كانت جذوع دار أخرى على الدار المبيعة ، فإن كانت للبائع يؤمر برفعها ، وإن كانت لغيره كانت بمنزلة العيب ، وكذا لو ظهر في الدار المبيعة طريق لدار أخرى أو سيل ماء ، فإن كانت تلك الدار للبائع فلا طريق له في الدار المبيعة .

وقوله ( بخلاف الإجارة ) متصل بقوله لم يكن له الطريق : يعني في الإجارة يدخل الطريق والشرب والمسيل لأن المقصود منها الانتفاع ولا انتفاع بغير دخول هذه الأشياء ، والبيع ليس كذلك فإن المقصود منه في الأصل ملك الرقبة لا الانتفاع بعينها عينا ، بل إما كذلك أو ليتجر فيها أو يأخذ نقضها فلم تتعين فائدة للبيع فلا يلزم ، ولهذا جاز بيع الجحش كما ولد وإن لم ينتفع به في الحال ، وكذا الأرض السبخة ، ولا تصح إجارة ذلك .

وفي الكافي : ولهذا لو استأجر علوا واستثنى الطريق [ ص: 43 ] فسدت الإجارة ، بخلاف ما لو اشترى علوا واستثنى الطريق يصح ، ولو استحق العلو ثم أجيز البيع صح لأن القضاء بالاستحقاق لا يوجب انفساخ البيوع الماضية في ظاهر الرواية ، ولا شيء لصاحب ساحة العلو من الثمن لأنه بمقابلة المبيع ، والمبيع البناء لا الساحة لأن حقه في الهواء .

فإن قيل : ما ذكرتم يشكل بالقسمة في دار بين رجلين وفيها صفة فيها بيت وبابه في الصفة ومسيل ماء ظهر البيت على ظهر الصفة فاقتسما فأصاب الصفة أحدهما وقطعة من الساحة لم يذكروا طريقا ولا مسيلا وصاحب البيت لا يستطيع أن يفتح بابه فيما أصابه من الساحة ولا يقدر أن يسيل ماءه في ذلك فالقسمة فاسدة ، فعلى قياس ما ذكرتم في الإجارة ينبغي أن يدخل الطريق والمسيل وإن لم يذكر الحقوق تحريا لجواز القسمة كما أدخلتموها تحريا لجواز الإجارة .

أجيب بأن الفرق بينهما لأن موضع الشرب ليس مما تناولته الإجارة ، وإنما يتوسل به إلى الانتفاع ، والآجر إنما يستوجب الأجرة إذا تمكن المستأجر من الانتفاع ; ففي إدخال الشرب توفير المنفعة عليهما هذا بالأجرة وهذا بالانتفاع ، أما هنا فموضع الطريق والمسيل داخل في القسمة لأنهما كانا داخلين في الملك المشترك ، فموجب القسمة اختصاص كل منهما بما هو نصيبه ، فلو أثبتنا لأحدهما حقا في نصيب الآخر تضرر به الآخر ، ولا يجوز الإضرار دون رضاه ، وإنما دليل الرضا اشتراط الحقوق والمرافق .

واعلم أنه إذا ذكر الحقوق في البيع وهو بحيث يمكنه إحداث طريق فيما اشتراه وتسييل مائه فيه لم يلزمه ذلك الطريق والمسيل ، وفي القسمة إذا ذكر الحقوق وأمكنه الطريق والتسييل فيما أصابه ليس له ذلك بل يتطرق ويسيل فيما أصابه فطولب بالفرق .

والفرق أن البيع إيجاد الملك من العدم لقصد الانتفاع به وإن لم يلزم فيه ذلك فما شرطه يتم مطلقا .

والمقصود بالقسمة تمييز الملك الثابت لهما لكل منهما لينتفع به على الخصوص بحيث لا يشركه فيه أحد ، إذ لو لم يرد ذلك الخصوص لم يكن حاجة إلى القسمة ، وإنما يتم هذا إذا لم يدخل الطريق والمسيل فلا يدخلان إلا برضا صريح ولا يكفي فيه ذكر الحقوق والمرافق .




الخدمات العلمية