الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 160 ] قال ( ومن أعطى صيرفيا درهما وقال أعطني بنصفه فلوسا وبنصفه نصفا إلا حبة جاز البيع في الفلوس وبطل فيما بقي عندهما ) لأن بيع نصف درهم بالفلوس جائز وبيع النصف بنصف إلا حبة ربا فلا يجوز ( وعلى قياس قول أبي حنيفة رحمه الله بطل في الكل ) لأن الصفقة متحدة والفساد قوي فيشيع وقد مر نظيره ، ولو كرر لفظ الإعطاء كان جوابه كجوابهما هو الصحيح لأنهما بيعان [ ص: 161 ] ( ولو قال أعطني نصف درهم فلوسا ونصفا إلا حبة جاز ) لأنه قابل الدرهم بما يباع من الفلوس بنصف درهم وبنصف درهم إلا حبة فيكون نصف درهم إلا حبة بمثله وما وراءه بإزاء الفلوس . قال رضي الله عنه : وفي أكثر نسخ المختصر ذكر المسألة الثانية ، والله تعالى أعلم بالصواب .

التالي السابق


( قوله ومن أعطى صيرفيا درهما فقال أعطني بنصفه ) أو ربعه أو قيراطا منه ( فلوسا وبنصفه نصفا إلا حبة ) وعلى وزانه أن يقول وبثلاثة أرباع درهم إلا حبة وقس الباقي ( جاز البيع في الفلوس وبطل فيما بقي ) من النصف الآخر أو الثلاثة الأرباع وباقي الصور ( لأن بيع نصف الدرهم بالفلوس جائز وبيع نصف درهم بنصف ) درهم ( إلا حبة ربا فلا يجوز ، وعلى قياس قول أبي حنيفة بطل في الكل لأن الصفقة متحدة والفساد قوي ) مقارن للعقد ( فيشيع وقد مر نظيره ) يعني في باب البيع الفاسد في مسألة الجمع بين العبد والحر إذا لم يفصل الثمن يشيع الفساد اتفاقا ، وإذا فصل لا يشيع عندهما وعنده يشيع ( فلو كرر لفظ الإعطاء ) بأن قال : أعطني بنصفه فلوسا وأعطني بنصفه نصفا إلا حبة ( كان جوابه كجوابهما ) في أن الفساد يخص النصف الآخر ( لأنهما بيعان ) لتعدد الصفقة ، وهذا هو المختار خلافا لما حكي عنالشيخ أبي جعفر وشيخ الإسلام والمظفر أنه لا يجوز وإن كرر لفظ الإعطاء لأن تعدد الصفقة عنده بتعدد البيع وهو الإيجاب ولفظ أعطني مساومة ، وإذا كان قوله بعني [ ص: 161 ] بكذا ليس إيجابا ، حتى لو قال بعت لا ينعقد ما لم يقل الأول قبلت فأعطني وليس من مادة البيع أولى ، وحينئذ لم يتعدد البيع فيشيع الفساد على قوله كالصورة الأولى .

وجه المختار أن ذلك صار معلوم المراد أنه إيجاب ، وعلى هذا فلو تعورف في مثله صح أيضا إلا أنهم لم يذكروه ، أو أن الكلام فيما إذا دفع إليه المخاطب قبل الافتراق فإنه يجعل بيعا في النصفين بالمعاطاة فيهما ، والله أعلم .

( ولو قال ) حين دفع إليه الدرهم الكبير ( أعطني نصف درهم فلوس ونصفا إلا حبة ) ( جاز ) فيهما ( لأنه قابل الدرهم بما يباع من الفلوس بنصف درهم وبنصف درهم إلا حبة ف ) يتحرى للجواز بأن ( يكون نصف درهم إلا حبة بمثله وما وراءه بإزاء الفلوس ) نعم قد يقال لما كان قوله نصف درهم فلوس معناه ما يباع من الفلوس به كان الحاصل أعطني بهذا الدرهم ما يباع من الفلوس بنصف درهم ونصف درهم إلا حبة ، وما يباع بنصف درهم معلوم أنه يخص بنصف الدرهم فصار كالأول كأنه قال : أعطني بنصفه نصف درهم فلوس وبنصفه نصف درهم إلا حبة .

وجوابه أن موجب التحري للتصحيح أن المعنى على ذلك التقدير أعطني بهذا الدرهم نصف درهم إلا حبة ، وما يباع بنصف درهم فلوس ، وهذا يفيد أنه إنما اشترى ما يباع من الفلوس بنصف درهم وحبة وما يباع من الفلوس بنصف درهم إلا حبة بمثله .

قال المصنف رحمه الله ( وفي أكثر نسخ المختصر ) يعني القدوري ( ذكر المسألة الثانية ) ولم يذكر الأولى ، ولذا قال شارحه وهو غلط من الناسخ ، ويجوز في فلوس الجر صفة لدرهم والنصب صفة للنصف .



[ فروع ]

تقدم بعضها في ضمن التعليل فربما يغفل عنها . تصارفا جنسا بجنس متساويا فزاد أحدهما أو حط شيئا وقبل الآخر التحق بأصل العقد وبطل العقد .

وقال أبو يوسف : لا يلتحق فيهما ولا يبطل . وقال محمد : لا يصح الحط فقط ويجعل هبة مبتدأة . ولو تصارفا بغير الجنس فزاد أو حط جاز لعدم اشتراط المماثلة غير أن الزيادة يجب قبضها في مجلس الزيادة لأنه ثمن الصرف ، وعند من لا يلحق الزيادة بأصل العقد كالشافعي وأحمد رحمهما الله لا يشترط لأنها هبة ابتدائية . ولو افترقا لا عن قبضها بطل حصتها من البدل الآخر كأنه باع الكل ثم فسد في البعض لعدم القبض ، والحط جائز سواء كان قبل التفرق أو بعده ، ويرد الذي حط ما حط ، وإن كان الحط قيراط ذهب فهو شريك في الدينار مثلا ; لأن في تبعيضه ضررا وكل مال ربوي لم يجز بيعه مرابحة ولا مواضعة إذا اشتراه بجنسه ويجوز بخلاف جنسه .

ولو اشترى مصوغا من فضة بفضة أو من ذهب بذهب وتقابضا فوجده المشتري معيبا له أن يرده بالعيب ، فإن رده بقضاء لا بأس به وإن لم يقبض من البائع في مجلس الرد ; لأنه فسخ [ ص: 162 ] وبغير قضاء يشترط القبض في مجلس الرد ، فإن قبض صح الرد وإلا بطل وعاد البيع الأول ; لأنه بيع في حق الشرع ، فإن تعذر الرد بأن هلك في يده أو حدث عيب آخر رجع بأرش العيب إن كان الثمن ذهبا لتعذر الفسخ ، وإن كان فضة لا يرجع لأنه يؤدي إلى الربا ، فإن قبله البائع بعيبه له ذلك والخيار للمشتري بعد . ولو اشترى دينارا بدرهم ولا دينار لهذا ولا درهم للآخر ثم اقترضا وتقابضا قبل التفرق جاز ، وفي المكيل لا يجوز . وعن أبي حنيفة رحمه الله : اشترى فلوسا بدراهم ولا فلوس ولا دراهم لهما ثم نقد أحدهما وتفرقا جاز ، ولو كان مكان الفلوس دينار لم يجز وتقدم معناه في تقسيم الطحاوي . اشترى سيفا حليته مائة درهم فضة بمائة درهم ثم علم أن حليته مائتا درهم قبل التفرق فإن شاء زاد في الثمن مائة أخرى وإن شاء فسخ ، والمائة ليست بشرط بل يزيد شيئا ليتمحض المائتان للحلية ، ولو علم بعد التقابض والتفرق بطل العقد في الكل ، ولو كان ذلك في إبريق فضة يبطل العقد في نصف الإبريق ، والله تعالى أعلم .




الخدمات العلمية