الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 436 ] ودلت المسألة على جواز الاقتداء بالشفعوية وعلى المتابعة في قراءة القنوت في الوتر [ ص: 437 ] وإذا علم المقتدي منه ما يزعم به فساد صلاته كالفصد وغيره لا يجزئه الاقتداء به [ ص: 438 ] والمختار في القنوت الإخفاء لأنه دعاء والله أعلم .

التالي السابق


( قوله ودلت المسألة على جواز الاقتداء بالشفعوية ) وفي بعض النسخ بالشافعية وهو الصواب لما عرف من وجوب حذف ياء النسب إذا نسب إلى ما هي فيه ، ووضع الياء الثانية مكانها حتى تتحد الصورة قبل النسبة الثانية وبعدها والتمييز حينئذ من خارج . ثم وجه الدلالة في الأول أن اختلافهم في أنه يتابعه أو لا فيقف ساكتا أو يقعد ينتظره حتى يسلم معه أو يسلم قبله ولا ينتظر في السلام اتفاق على أنه كان مقتديا إذ ذاك وهو فرع صحة اقتدائه ، ثم إطلاق القانت يشمل الشافعي وغيره .

ووجه الدلالة في الثانية أن اختلافهم في المتابعة في قنوت هو بدعة اتفاق على المتابعة في قنوت مسنون ، وفيه نظر إذ لا ملازمة بين منع المتابعة في قنوت بدعي وتجويزها في مسنون لجواز أن تمتنع فيهما ، بل الوجه أن المانع إنما علل بنسخه فعلم أنه لو كان غير منسوخ لجازت ، وإلا لقال مثلا لا يتابعه لأنه ذكر لا يتابع فيه المأموم إمامه كالقراءة والتسميع ، فلما لم يعلل قط إلا بذلك كان ظاهرا في أنه علة مساوية عنده ثم في كل من الحكمين خلاف : أما الأول فقال أبو اليسر اقتداء الحنفي بشافعي غير جائز ، لما روى مكحول النسفي في كتاب له سماه الشعاع أن رفع اليدين في الصلاة عند الركوع والرفع منه مفسد بناء على أنه عمل كثير حيث أقيم باليدين ، والمصنف أخذ الجواز قبلهم من جهة الرواية من هذه المسألة فإنها تفيد صحة الاقتداء وبقاءه إلى وقت القنوت فتعارض تلك وتقدم هذه لشذوذ تلك صرح بشذوذها في النهاية في غير هذا الموضع ، وأيضا فالفساد عند الركوع لا يقتضي عدم صحة الاقتداء من الابتداء ، مع أن عروض البطلان غير مقطوع به لأن الرفع جائز الترك عندهم .

ولو تحقق فالعمل الكثير المختار فيه ما لو رآه شخص من بعيد ظنه ليس في الصلاة . ومنهم من قيد جواز الاقتداء بهم كقاضي خان بأن لا يكون متعصبا ولا شاكا في إيمانه ، ويحتاط في موضع الخلاف كأن يتوضأ من الخارج النجس ويغسل ثوبه من المني ويمسح ربع رأسه في أمثال هذه ولا يقطع الوتر ، ولا يخفى أن تعصبه إنما يوجب فسقه ، ولا مسلم يشك في إيمانه ، وقول إن شاء الله يقولونها للتبرك لا للشرط أو له باعتبار إيمان الموافاة .

وذكر شيخ الإسلام : إذا لم يعلم منه هذه الأشياء بيقين يجوز الاقتداء به ، والمنع إنما هو لمن شاهد ذلك ، ولو غاب عنه ثم [ ص: 437 ] رآه يصلي : يعني بعدما شاهد تلك الأمور الصحيح أنه يجوز الاقتداء به ، والذي قبل هذا يفيد أنه لا يصح الاقتداء به إذا عرف من حاله أنه لم يحتط في مواضع الخلاف سواء علم في خصوص ما يقتدي به فيه أو لا . هذا ولم يذكر الفساد بالنظر إلى الإمام بأن شاهده مس ذكره أو امرأة ولم يتوضأ وصلى وهو ممن يرى الوضوء من ذلك ، والأكثر على أنه يجوز وهو الأصح ، ومختار الهندواني وجماعة أنه لا يجوز لأن اعتقاد الإمام أنه ليس في الصلاة ولا بناء على المعدوم .

قلنا المقتدي يرى جوازها والمعتبر في حقه رأي نفسه لا غيره ، وقول أبي بكر الرازي إن اقتداء الحنفي بمن يسلم على رأس الركعتين في الوتر يجوز ويصلي معه بقيته لأن إمامه لم يخرجه بسلامه عنده لأنه مجتهد فيه ، كما لو اقتدى بإمام قد رعف يقتضي صحة الاقتداء وإن علم منه ما يزعم به فساد صلاته بعد كون الفصل مجتهدا فيه . وقيل إذا سلم الإمام على رأس الركعتين قام المقتدي فأتم منفردا ، وكان شيخنا سراج الدين يعتقد قول الرازي ، وأنكر مرة أن يكون فساد الصلاة بذلك مرويا عن المتقدمين حتى ذكرته بمسألة الجامع في الذين تحروا في الليلة المظلمة وصلى كل إلى جهة مقتدين بأحدهم ، فإن جواب المسألة أن من علم منهم بحال إمامه فسدت لاعتقاد إمامه على الخطإ وما ذكر في الإرشاد لا يجوز الاقتداء في الوتر بإجماع أصحابنا لأنه اقتداء المفترض بالمتنفل .

يخالفه ما تقدم من اشتراط المشايخ في الاقتداء بشافعي في الوتر أن لا يفصله فإنه يقتضي صحة الاقتداء عند عدم فصله . وفي الفتاوى : اقتداء حنفي في الوتر بمن يرى أنه سنة ، قال الإمام أبو بكر محمد بن الفضل : يصح لأن كلا يحتاج إلى نية الوتر فلم تختلف نيتهما ، فأهدر اختلاف الاعتقاد في صفة الصلاة واعتبر مجرد اتحاد النية ، لكن قد يستشكل إطلاقه بما ذكره في التجنيس وغيره من أن الفرض لا يتأدى بنية النفل ويجوز عكسه ، وبنى عليه عدم جواز صلاته من صلى الخمس سنين ولم يعرف النافلة من المكتوبة مع اعتقاده أن منها فرضا ومنها نفلا فأفاد أن مجرد معرفة اسم الصلاة ونيتها لا يجوزها فإن فرض المسألة أنه صلى الخمس ويعتقد أن من الخمس فرضا ونفلا .

وهذا فرع تعينها عنده بأسمائها من صلاة الظهر وصلاة العصر إلى آخره ، ولأن جواب المسألة بعدم الجواز مطلقا إنما هو بناء على عدم جواز الفرض بنية النفل أعم من أن يسميها أولا ، فإنه إذا سماها بالظهر واعتقاده أن الظهر نفل فهو بنية الظهر ناو نفلا مخصوصا فلا يتأدى به الفرض ، فعلى هذا ينبغي أن لا يجوز وتر الحنفي اقتداء بوتر الشافعي بناء على أنه لم يصح شروعه في الوتر لأنه بنيته إياه إنما نوى النفل الذي هو الوتر فلا يتأدى الواجب بنية النفل ، وحينئذ فالاقتداء به فيه بناء على المعدوم في زعم المقتدي .

نعم يمكن أن يقال لو لم يخطر بخاطره عند النية صفته من السنية أو غيرها بل مجرد الوتر ينتفي المانع فيجوز لكن إطلاق مسألة التجنيس يقتضي أنه لا يجوز وإن لم يخطر بخاطره نفليته وفرضيته بعد أن كان المتقرر في اعتقاد نفليته وهو غير بعيد للمتأمل [ ص: 438 ] وأما الثاني فعن محمد يقنت الإمام ويسكت المقتدي ، وهذا كقول بعضهم في القنوت يتحمله الإمام عن المقتدي كالقراءة ويجهر به ، والأصح أنه يقنت كالإمام ، ثم هل يجهر به الإمام ؟ اختاره أبو يوسف في رواية ويتابعونه إلى بالكفار ملحق ، وإذا دعا الإمام : يعني اللهم اهدني فيمن هديت أو غيره بعد ذلك هل يتابعونه ؟ ذكر في الفتاوى خلافا بين أبي يوسف ومحمد في قول محمد لا ولكن يؤمنون ، وقال بعضهم : إن شاءوا سكتوا ، وقال الشيخ أبو بكر محمد بن الفضل : عندي يخفي الإمام ، وكذا المقتدي لأنه ذكر كسائر الأذكار وثناء الافتتاح .

ولم يذكر هذا في ظاهر الرواية ، وهل يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعده ؟ اختلفوا فيه ، قيل لا وقيل نعم لأنه سنة الدعاء ، ونحن قد أوعدناك من رواية النسائي ثبوت الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم : أعني قوله وصلى الله على النبي ، ولا ينبغي أن يعدل عن هذا القول . وأما المنفرد ففي البدائع نقلا عن شرح مختصر الطحاوي للقاضي أنه مخير فيه بين الجهر والإخفاء كالقراءة ، والذي يقتضيه اختيار من اختار الإخفاء ، واختار المصنف تبعا لابن الفضل رحمه الله الإخفاء وهو الأولى ، وفي الحديث { خير الذكر الخفي } ولأنه المتوارث في مسجد أبي حفص الكبير وهو من أصحاب محمد فهو ظاهر في أنه علمه من محمد في القنوت .



[ فرع ]

أوتر قبل النوم ثم قام من الليل فصلى لا يوتر ثانيا لقوله صلى الله عليه وسلم { لا وتران في ليلة } ولزمه ترك المستحب المفاد بقوله صلى الله عليه وسلم { اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا } لأنه لا يمكن شفع الأول لامتناع التنفل بركعة أو ثلاث .




الخدمات العلمية