الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( وإذا غلط رجلان فذبح كل واحد منهما أضحية الآخر أجزأ عنهما ولا ضمان عليهما ) وهذا استحسان ، وأصل هذا أن من ذبح أضحية غيره بغير إذنه لا يحل له ذلك وهو ضامن لقيمتها ، ولا يجزئه عن الأضحية في القياس وهو قول زفر وفي الاستحسان يجوز ولا ضمان على الذابح ، وهو قولنا .

وجه القياس أنه ذبح شاة غيره بغير أمره فيضمن ، كما إذا ذبح شاة اشتراها القصاب . وجه الاستحسان أنها تعينت للذبح لتعينها للأضحية حتى وجب عليه أن يضحي بها بعينها في أيام النحر . ويكره أن يبدل بها غيرها فصار المالك مستعينا بكل من يكون أهلا للذبح آذنا له دلالة لأنها تفوت بمضي هذه الأيام ، وعساه يعجز عن إقامتها بعوارض فصار كما إذا ذبح شاة شد القصاب رجلها ، فإن قيل : يفوته أمر مستحب وهو أن يذبحها بنفسه أو يشهد الذبح فلا يرضى به . قلنا : يحصل له به مستحبان آخران ، صيرورته مضحيا لما عينه ، وكونه معجلا به فيرتضيه ، ولعلمائنا رحمهم الله من هذا الجنس مسائل استحسانية ، وهي أن من طبخ لحم غيره أو طحن حنطته أو رفع جرته فانكسرت أو حمل على دابته فعطبت كل ذلك بغير أمر المالك يكون ضامنا ، ولو وضع المالك اللحم في القدر والقدر على الكانون والحطب تحته ، أو جعل الحنطة في الدورق وربط الدابة عليه ، أو رفع الجرة وأمالها إلى نفسه أو حمل على دابته فسقط في الطريق ، فأوقد هو النار فيه وطبخه ، أو ساق الدابة فطحنها ، أو أعانه على رفع الجرة فانكسرت فيما بينهما ، أو حمل على دابته ما سقط فعطبت لا يكون ضامنا في هذه الصور كلها استحسانا لوجود الإذن دلالة .

إذا ثبت هذا فنقول في مسألة الكتاب : ذبح كل واحد منهما أضحية غيره بغير إذنه صريحا فهي خلافية زفر بعينها ويتأتى فيها القياس والاستحسان كما ذكرنا ، فيأخذ كل واحد منهما مسلوخة [ ص: 520 ] من صاحبه ، ولا يضمنه لأنه وكيله فيما فعل دلالة ، فإذا كانا قد أكلا ثم علما فليحلل كل واحد منهما صاحبه ويجزيهما ، لأنه لو أطعمه في الابتداء يجوز ، وإن كان غنيا فكذا له أن يحلله في الانتهاء وإن ، تشاحا فلكل واحد منهما أن يضمن صاحبه قيمة لحمه ثم يتصدق بتلك القيمة لأنها بدل عن اللحم فصار كما لو باع أضحيته ، وهذا لأن التضحية لما وقعت عن صاحبه كان اللحم له

التالي السابق


( قوله فصار كما لو باع أضحيته ) قال جماعة من الشراح في بيان معنى هذا الكلام : يعني أنه لو باع أضحيته واشترى بثمنها غيرها ، فلو كان غيرها أنقض من الأولى تصدق بما فضل على الثانية ، ولو لم يشتر حتى مضت أيام النحر تصدق بثمنها كله انتهى . أقول : قد تكلموا في بيان مراد المصنف بقوله المذكور جدا حيث جعلوه صورتين ، فزادوا في الصورة الأولى اشترى غيرها بثمنها ، واعتبروا التصدق في تلك الصورة في بعض الثمن دون كله ، وزادوا في الصورة الثانية مضى أيام النحر ، وليس في كلام المصنف هذا ما يدل على شيء من ذلك ، وليس في المقام ما يقتضي شيئا منها كما لا يخفى ، مع أن الأمر في معنى هذا الكلام على طرف التمام بحمله على حذف مضاف : أي كما لو باع لحم أضحيته ، فيكون المراد به الإشارة إلى ما مر في الكتاب من قوله ولو باع الجلد واللحم بالدراهم أو بما لا ينتفع به إلا باستهلاكه تصدق بثمنه تدبر




الخدمات العلمية