الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ويكره أن يقبل الرجل فم الرجل أو يده أو شيئا منه أو يعانقه ) وذكر الطحاوي أن هذا قول أبي حنيفة ومحمد . وقال أبو يوسف : لا بأس بالتقبيل والمعانقة لما روي { أن النبي عليه الصلاة والسلام عانق جعفرا رضي الله عنه حين قدم من الحبشة وقبل بين عينيه } ولهما ما روي [ ص: 52 ] { أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن المكامعة وهي المعانقة ، وعن المكاعمة وهي التقبيل } . وما رواه محمول على ما قبل التحريم . قالوا : الخلاف في المعانقة في إزار واحد ، أما إذا كان عليه قميص أو جبة فلا بأس بها بالإجماع وهو الصحيح . قال ( ولا بأس بالمصافحة ) ; لأنه هو المتوارث . وقال عليه الصلاة والسلام { من صافح أخاه المسلم وحرك يده تناثرت ذنوبه } .

التالي السابق


( قوله ولهما ما روي { أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن المكامعة وهي المعانقة ، وعن المكاعمة وهي التقبيل } ) قال في غاية البيان : وتفسير المكامعة بالمعانقة فيه نظر ; لأنه قال في ديوان الأدب وغيره : كامع امرأته : ضاجعها ، وكاعم المرأة : قبلها . وقال في الفائق : { نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المكامعة والمكاعمة } : أي عن ملاثمة الرجل الرجل ومضاجعته إياه لا ستر بينهما إلى هنا لفظ غاية البيان .

وقال العيني بعد نقل ذلك : قلت فيه نظر ; لأن المضاجع هو المعانق غالبا ، ولا يضاجع أحد غيره إلا والغالب أنه يعانقه ا هـ .

أقول : ليس هذا بشيء ، لأن كون المضاجع هو المعانق غالبا ممنوع ، ولو سلم ذلك فلا يلزم منه أن تكون المكامعة هي [ ص: 52 ] المعانقة في الغالب . وإنما الذي يلزم منه أن يلازم المكامعة والمعانقة في الغالب . ولا شك أن أحد المتلازمين لا يكون عين الآخر كالأبوة والبنوة فكيف يصح تفسير إحداهما بالأخرى . ولو سلم صحة التفسير باللازم بناء على المسامحة لم يفد هاهنا ; لأن المضاجعة لما وجدت بدون المعانقة وإن كان في غير الغالب كانت المعانقة أخص من المضاجعة . فلم يصح تفسير المكامعة التي هي المضاجعة بالمعانقة بناء على عدم صحة التفسير بالأخص ، ونظر صاحب الغاية إنما هو في تفسير المكامعة بالمعانقة لا غير .

وقال بعض المتأخرين : وفسرها المصنف بالمعانقة مع أن المكامعة هي المضاجعة . في ديوان الأدب وغيره : كامع امرأته ضاجعها بناء على أن الكلام في المعانقة . والظاهر أن ما نهي من المضاجعة هو ما كان على سبيل المعانقة لعدم الخلاف في إباحة المضاجعة لا على ذلك الوجه ، على أن المكامعة بحسب اللغة هي المضاجعة المخصوصة لا مطلق المضاجعة . في القاموس : كامعه : ضاجعه في ثوب واحد ، إلى هنا كلام ذلك البعض في شرحه . وقال في الحاشية : فيه رد على صاحب الغاية . أقول : كل من مقدمات كلامه مجروح . أما قوله بناء على أن الكلام في المعانقة تعليلا لتفسير المصنف المكامعة بالمعانقة فظاهر البطلان ، لأن كون الكلام في المعانقة كيف يسوغ تفسير المكامعة بغير معناها ، وهل يقول العاقل بتغيير معنى لفظ الحديث ليكون مطابقا لمدعاه . وأما قوله والظاهر أن ما نهي من المضاجعة هو ما كان على سبيل المعانقة فممنوع ، إذ لم يقل أحد من الثقات بهذا التخصيص عند بيان المراد بالمكامعة المذكورة في الحديث . بل أطلقوها . قال الزمخشري في الفائق : { نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المكاعمة والمكامعة } : أي عن ملاثمة الرجل الرجل ومضاجعته إياه لا سترة بينهما انتهى .

وقال الجوهري في الصحاح : وكامعه مثل ضاجعه ، والمكامعة التي نهي عنها في الحديث أن يضاجع الرجل الرجل لا سترة بينهما انتهى .

وقال المطرزي في المغرب : نهى عن المكاعمة والمكامعة : أي عن ملاثمة الرجل الرجل لا سترة بينهما ومضاجعته إياه في ثوب واحد لا سترة بينهما . هذا هو المراد بهما في الحديث عن أبي عبيد القاسم بن سلام وابن دريد وغيرهما . وهكذا حكاه الأزهري والجوهري انتهى .

وأما قوله لعدم الخلاف في إباحة المضاجعة لا على ذاك الوجه فممنوع أيضا ، إذ لا شك أن شناعة مضاجعة الرجل الرجل في ثوب واحد لا سترة بينهما ليست بأقل من شناعة مجرد المعانقة ولو في غير داخل الثوب ، فكيف يقول بإباحة الأولى من لا يقول بإباحة الثانية سيما عند إطلاق لفظ الحديث بل كونه حقيقة في نفس المضاجعة . وأما قوله على أن المكامعة بحسب اللغة هي المضاجعة المخصوصة لا مطلق المضاجعة ، واستشهاده عليه بما في القاموس فليس بمقيد أصلا ; لأنها وإن كانت هي المضاجعة المخصوصة إلا أن معناها ليس عين معنى المعانقة ولا مساويا له في التحقق لانفكاك تحقق كل منهما عن الآخر في بعض الصور كما عرفته من قبل فكيف يصح تفسير المكامعة بالمعانقة كما هو حاصل نظر صاحب الغاية ، فمن أين يحصل الرد عليه بما ذكره ذلك القائل ، ولعمري إن مفاسد قلة التأمل مما يضيق عن الإحاطة به نطاق البيان ، والله سبحانه وتعالى المستعان .




الخدمات العلمية