الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( وإن ادعى الولي على واحد من أهل المحلة بعينه لم تسقط القسامة عنهم ) وقد ذكرناه وذكرنا فيه القياس والاستحسان . قال ( وإن ادعى على واحد من غيرهم سقطت عنهم ) وقد بيناه من قبل ووجه الفرق هو أن وجوب القسامة عليهم دليل على أن القاتل منهم فتعيينه واحدا منهم لا ينافي ابتداء الأمر لأنه منهم بخلاف ما إذا عين من غيرهم لأن ذلك بيان أن القاتل [ ص: 388 ] ليس منهم ، وهم إنما يغرمون إذا كان القاتل منهم لكونهم قتلة تقديرا حيث لم يأخذوا على يد الظالم ، ولأن أهل المحلة لا يقومون بمجرد ظهور القتيل بين أظهرهم إلا بدعوى الولي ، فإذا ادعى القتل على غيرهم امتنع دعواه عليهم وسقط لفقد شرطه .

التالي السابق


( قوله وإن ادعى على واحد من غيرهم سقطت عنهم وقد بيناه من قبل ) قال صاحب العناية : يريد به قوله هذا الذي ذكرنا إذا ادعى الولي القتل على جميع أهل المحلة انتهى ، واقتفى أثره العيني . أقول : الظاهر أنه أراد به قوله بخلاف ما إذا ادعى على واحد من غيرهم لأنه ليس فيه نص ، فلو أوجبناها لأوجبناها بالقياس وهو ممتنع فإنه هو المطابق لهذه المسألة التي ذكرها المصنف هنا دون ما حمل عليه الشارحان المزبوران كما لا يخفى على الفطن .

( قوله ووجه الفرق هو أن وجوب القسامة عليهم دليل على أن القاتل منهم ) أقول : لقائل أن يقول : إن أريد أن وجوب [ ص: 388 ] القسامة عليهم دليل على أن القاتل منهم بدون أن يتعين خصوصه فهو مسلم ، لكن لا نسلم أن تعيينه واحدا منهم لا ينافي ابتداء الأمر حينئذ ، فإن ابتداء الأمر إذ ذاك كون القاتل منهم بدون أن يتعين خصوصه ، وبتعيينه واحدا منهم يلزم أن يتعين خصوصه وإن كان منهم ، ولا ريب أن تعين خصوص القاتل ينافي عدم تعينه ، وإن أريد أن وجوب القسامة عليهم دليل على أن القاتل منهم تعين خصوصه فهو ممنوع كما لا يخفى ، وإن أريد أن وجوب القسامة عليهم دليل على أن القاتل منهم سواء تعين خصوصه أو لم يتعين فهو أيضا ممنوع ، إذ لا يظهر وجه كون الجناية الصادرة عن واحد منهم عند تعين خصوصه سببا لوجوب الغرم عليهم جميعا ; ألا يرى أنه إذا أقر واحد منهم بعينه بقتل القتيل الموجود بين أظهرهم أو ثبت ذلك بالبينة لا يجب شيء على غيره أصلا . فإن قيل : يجوز أن يكون سبب وجوب الغرم عليهم جميعا عند تعين خصوص القاتل منهم كونهم قتلة أيضا تقديرا بتركهم النصرة لعدم أخذهم على يد ذلك القاتل الظالم كما يشعر به قول المصنف فيما بعد : وهم إنما يغرمون إذا كان القاتل منهم لكونهم قتلة تقديرا حيث لم يأخذوا على يد الظالم .

قلنا : ذلك إنما يظهر إذا علموا قتل ذاك الظالم فتركوا النصرة ، وأما إذا لم يعلموا ذلك بأن كان قتله خفية فلا . ولئن سلم ذلك مطلقا لعدم احتياطهم في حفظ المحلة يشكل بما إذا أقر واحد منهم بعينه بالقتل أو ثبت ذلك بالبينة ، فإنه لا يجب على غيره شيء هناك مع تحقق ذلك السبب فيه أيضا فتأمل في التوجيه . وذكر في الشروح نقلا عن المبسوط أنه روى ابن المبارك عن أبي حنيفة أنه تسقط القسامة والدية عن أهل المحلة ، لأن دعوى الولي على واحد منهم بعينه تكون إبراء لأهل المحلة عن القسامة ، فإن القسامة في قتيل لا يعرف قاتله ، فإذا زعم الولي أنه يعرف القاتل منهم بعينه صار مبرئا لهم عن القسامة وذلك صحيح منه انتهى . قلت : هذه الرواية أظهر عندي دراية ، والله تعالى أعلم بالصواب .

( قوله ولأن أهل المحلة لا يغرمون بمجرد ظهور القتيل بين أظهرهم إلا بدعوى الولي فإذا ادعى القتل على غيرهم امتنع دعواه عليهم وسقط لفقد شرطه ) أقول : يشكل هذا التعليل بما إذا ادعى الولي على واحد من أهل المحلة بعينه فإنهم إذا لم يغرموا بمجرد ظهور القتيل بين أظهرهم إلا بدعوى الولي فإذا ادعى الولي على واحد منهم بعينه دون غيره لزم أن تسقط الغرامة عن غيره منهم لفقد شرط الغرامة وهو دعوى الولي عليهم فتفكر في الفرق ، ولعله لا يتيسر بدون التعسف . قال العيني : واعلم أن قوله وجه الفرق إلى قوله قال وإذا التقى قوم بالسيوف لم يوجد في كثير من النسخ ولهذا لم يشرحه أكثر الشراح انتهى . قلت : وعن هذا ترى ما فيه من الوهن كما نبهت عليه آنفا في الموضعين




الخدمات العلمية