الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( وإذا اقتسم الابنان تركة الأب ألفا ثم أقر أحدهما لرجل أن الأب أوصى له بثلث ماله فإن المقر يعطيه ثلث ما في يده ) وهذا استحسان ، والقياس أن يعطيه نصف ما في يده وهو قول زفر رحمه الله ، لأن إقراره بالثلث له تضمن إقراره بمساواته إياه ، والتسوية في إعطاء النصف ليبقى له النصف . وجه الاستحسان أنه أقر له بثلث شائع في التركة وهي في أيديهما فيكون مقرا بثلث ما في يده ، بخلاف ما إذا أقر أحدهما بدين [ ص: 460 ] لغيره لأن الدين مقدم على الميراث فيكون مقرا بتقديمه فيقدم عليه ، أما الموصى له بالثلث شريك الوارث فلا يسلم له شيء إلا أن يسلم للورثة مثلاه ، ولأنه لو أخذ منه نصف ما في يده فربما يقر الابن الآخر به أيضا فيأخذ نصف ما في يده فيصير نصف التركة فيزاد على الثلث .

التالي السابق


( قوله وجه الاستحسان أنه أقر بثلث شائع في التركة وهي في أيديهما فيكون مقرا بثلث ما في يده ) قال صاحب التسهيل : أقول مضى في فصل إقرار المريض [ ص: 460 ] أن ابنه لو أقر بأخ فجحده أخوه الآخر دفع إليه المقر نصف نصيبه كما قال زفر رحمه الله تعالى هنا لأنه أقر بالمساواة . وعند مالك يدفع إليه ثلث نصيبه كما قلنا هنا نحن والحاصل أننا عملنا هنا بأصل مالك ثمة وعمل زفر هنا بأصلنا ثمة ، فلا بد للأئمة الحنفية من الفرق بين الإقرار والوصية أو الاتحاد ، ويحتمل أن يكون في المسألة روايتان ، إلى هنا لفظ التسهيل ، وقصد بعض المتأخرين أن يجيب عنه فقال بعد نقل ذلك . قلت : الفرق بينهما بين فإن المساواة من اللوازم البينة للإخوة دون الوصية بالثلث فإنها ليست من لوازمها فضلا عن كونها بينة ، فالإقرار بالأخ يتضمن القرار بالمساواة ، بخلاف الإقرار بالوصية فإنه لا يتضمن الإقرار بها ا هـ . أقول : ليس هذا بشيء ، فإن الذي من لوازم الإخوة إنما هو المساواة في جملة التركة لا المساواة فيما في يد أحد الأخوين فقط كنصف التركة مثلا ، وإلا يلزم أن يكون حصة أحد الإخوة النصف وحصة مجموع الأخوين النصف ، وهذا ظاهر البطلان ، والمساواة في جملة التركة إنما تقتضي كون حصة الأخ المقر له ثلث ما في يد المقر لا نصفه كما فيما نحن فيه من الإقرار بوصية ثلث المال فورد ما قاله صاحب التسهيل من مطالبة الفرق بين المسألتين . ثم إن قول ذلك البعض دون الوصية بالثلث فإنها ليست من لوازمها فضلا عن كونها بينة ليس بتام أيضا ، لأن المساواة إنما لا تكون من لوازم مطلق الوصية مع مطلق الورثة ، وأما فيما نحن فيه فالمساواة لازمة قطعا لانحصار الوارث في الابنين ، وكون إقرار أحدهما بوصية المورث لرجل بثلث ماله فلا بد من الفرق بين المسالتين بوجه آخر كما لا يخفى .




الخدمات العلمية