الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ولا يدفع المزكي زكاته إلى أبيه وجده وإن علا ، ولا إلى ولده وولد ولده وإن سفل ) لأن منافع الأملاك بينهم متصلة فلا يتحقق التمليك [ ص: 270 ] على الكمال ( ولا إلى امرأته ) للاشتراك في المنافع عادة ( ولا تدفع المرأة إلى زوجها ) عند أبي حنيفة رحمه الله لما ذكرنا ، وقالا : تدفع إليه لقوله { عليه الصلاة والسلام لك أجران : أجر الصدقة ، وأجر الصلة } قاله لامرأة [ ص: 271 ] عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وقد سألته عن التصدق عليه ; قلنا : هو محمول على النافلة .

التالي السابق


( قوله ولا يدفع المزكي زكاته إلخ ) الأصل أن كل من انتسب إلى المزكي بالولاد أو انتسب هو له به لا يجوز صرفها له ، فلا يجوز لأبيه وأجداده وجداته من قبل الأب والأم وإن علوا ، ولا إلى أولاده وأولادهم وإن سفلوا ، [ ص: 270 ] ولا يدفع إلى مخلوق من مائه بالزنا ولا إلى أم ولده الذي نفاه ، ولو تزوجت امرأة الغائب قال أبو حنيفة الأولاد من الأول ، ومع هذا يجوز للأول دفع الزكاة إليهم ، وسائر القرابات غير الولاد يجوز الدفع إليهم ، وهو أولى لما فيه من الصلة مع الصدقة كالإخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات ، ولو كان بعضهم في عياله ولم يفرض القاضي النفقة له عليه فدفعها إليه ينوي الزكاة جاز عن الزكاة ، وإن فرضها عليه فدفعها ينوي الزكاة لا يجوز لأنه أداء واجب في واجب آخر فلا يجوز إلا إذا لم يحتسبها بالنفقة لتحقيق التمليك على الكمال .

وفي الفتاوى والخلاصة : رجل له أخ قضى عليه بنفقته فكساه وأطعمه ينوي به الزكاة قال أبو يوسف يجوز ، وقال محمد : يجوز في الكسوة لا في الإطعام .

وقول أبي يوسف في الإطعام خلاف ظاهر الرواية وهذا خلاف ما قبله . ويمكن بناء الاختلاف في الطعام على أنه إباحة أو تمليك ، وفي الكافي عائل يتيم أطعمه عن زكاته صح خلافا لمحمد لوجود الركن ، وهو التمليك ، وهذا إذا سلم الطعام إليه ، أما إذا لم يدفع إليه لا يجوز لعدم التمليك ا هـ .

ومقتضاه أن محمدا لا يجيزه وإن سلم الطعام إليه مع أنه لا قضاء في هذه المسألة وهو بعيد من محمد رحمه الله ( قوله ولا إلى امرأته للاشتراك في المنافع ) قال الله تعالى { ووجدك عائلا فأغنى } أي بمال خديجة . وإنما كان منها إدخاله عليه الصلاة والسلام في المنفعة على وجه الإباحة والتمليك أحيانا فكان الدافع إلى هؤلاء كالدافع لنفسه من وجه إذ كان ذلك الاشتراك ثابتا ، وكذا لا يدفع إليهم صدقة فطره وكفارته وعشره ، بخلاف خمس الركاز يجوز دفعه لهم لأنه لا يشترط فيه إلا الفقر . ولهذا لو افتقر هو قبل أن يخرجه جاز أن يمسكه لنفسه . فصار الأصل في الدفع المسقط كونه على وجه تنقطع منفعته عن الدافع ذكروا معناه ولا بد من قيد آخر ، وهو مع قبض معتبر احترازا عما لو دفع للصبي الفقير غير العاقل والمجنون فإنه لا يجوز ، وإن دفعها الصبي إلى أبيه قالوا : لا يجوز . كما لو وضع زكاته على دكان فجاء الفقير وقبضها لا يجوز ، فلا بد في ذلك من أن يقبضها لهما الأب أو الوصي أو من كانا في عياله من الأقارب أو الأجانب الذين يعولونه ، والملتقط يقبض للقيط ، ولو كان الصبي مراهقا أو يعقل القبض بأن كان لا يرمي به ويخدع عنه يجوز . ولو وضع الزكاة على يده فانتهبها الفقراء جاز ، وكذا إن سقط ماله من يده فرفعه فقير فرضي به جاز وإن كان يعرفه والمال قائم ، والدفع إلى المعتوه مجزئ .

( قوله لما ذكرنا ) أي من الاشتراك في المنافع فلم يتحقق الخروج عنه على الكمال ، وهما قال : لا يصح القياس مع النص وهو ما في الصحيحين والنسائي عن زينب امرأة ابن مسعود قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن ، وقالت فرجعت إلى عبد الله فقلت : إنك رجل خفيف ذات اليد . وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالصدقة ، فأته فاسأله فإن كان ذلك يجزئ عني وإلا صرفتها إلى غيركم ، قالت : فقال لي عبد الله : بل ائتيه أنت . قالت : فانطلقت فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجتي [ ص: 271 ] حاجتها ، قالت : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ألقيت عليه المهابة قالت : فخرج علينا بلال فقلت : ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أن امرأتين بالباب تسألانك هل تجزئ الصدقة عنهما على أزواجهما ، وعلى أيتام في حجورهما ولا تخبره من نحن ، قالت : فدخل بلال على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : من هما : ؟ قال : امرأة من الأنصار وزينب . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الزيانب ؟ قال : امرأة عبد الله . فقال صلى الله عليه وسلم : لهما أجران : أجر القرابة ، وأجر الصدقة } .

ورواه البزار في مسنده فقال فيه { فلما انصرف وجاء إلى منزله : يعني النبي صلى الله عليه وسلم جاءته زينب امرأة عبد الله فاستأذنت عليه ، فأذن لها فقالت : يا نبي الله : إنك أمرتنا بالصدقة وعندي حلي لي فأردت أن أتصدق به ، فزعم ابن مسعود أنه وولده أحق من تصدق به عليهم ، فقال عليه الصلاة والسلام : صدق ابن مسعود زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم } ولا معارضة لازمة بين هذه الأولى في شيء بأدنى تأمل .

قوله " وولدك " يجوز كونه مجازا عن الربائب وهم الأيتام في الرواية الأخرى ، وكونه حقيقة والمعنى أن ابن مسعود إذا تملكها أنفقها عليهم والجواب : أن ذلك كان في صدقة نافلة لأنها هي التي كان عليه الصلاة والسلام يتخول بالموعظة والحث عليها . وقوله هل يجزئ إن كان في عرف الفقهاء الحادث لا يستعمل غالبا إلا في الواجب ، لكن كان في ألفاظهم لما هو أعم من النفل لأنه لغة الكفاية ، فالمعنى : هل يكفي التصدق عليه في تحقيق مسمى الصدقة وتحقيق مقصودها من التقرب إلى الله تعالى فيسلم القياس حينئذ عن المعارض




الخدمات العلمية