الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه [20].

                                                                                                                                                                                                                                        عطف على ( ثلثي الليل ) وهي قراءة الحسن وأبي عمرو وأبي جعفر وشيبة ونافع ، وقرأ عاصم والأعمش وحمزة والكسائي ( نصفه وثلثه ) عطفا على أدنى، وقرأ ابن كثير ( ونصفه وثلثه ) حذف الضمة لثقلها.

                                                                                                                                                                                                                                        واختار أبو عبيد الخفض، واحتج أن بعده ( علم أن لن تحصوه ) قال: فكيف يقومون نصفه؟

                                                                                                                                                                                                                                        قال أبو جعفر : القراءتان قد قرأ بهما الجماعة، وتقدير الخفض: ويقوم أدنى من نصفه وأدنى من ثلثه، وتقدير النصب: أدنى من ثلثي الليل، وذلك أكثر من النصف مرة، وتقوم نصفه مرة، وتقوم ثلثه مرة، والاحتجاج بـ( علم أن لن تحصوه ) لا معنى له؛ لأنه لم يخبر أنهم قالوا: قمنا نصفه وإنما أخبر بحقيقة ما يعلمه، وقد عكس الفراء قوله فاختار النصب لأن المعنى عنده عليه أولى؛ لأنه يستبعد ( وأقل من نصفه ) لأنه إنما يبين القليل عنده لا أقل القليل، ولو كان كما قال لكان ( نصفه ) بغير واو حتى يكون تبيينا لـ(أدنى).

                                                                                                                                                                                                                                        والسلامة من هذا عند أهل الدين إذا صحت القراءتان عن الجماعة أن لا يقال إحداهما أجود من الأخرى؛ لأنهما جميعا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيأثم من قال ذلك، وكان رؤساء الصحابة - رحمهم الله - ينكرون مثل هذا، وقد أجاز الفراء ( إن ربك يعلم أنك [ ص: 63 ] تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه ) نصب ( ثلثه ) عطفا على أدنى، وخفض ( نصفه ) عطفا على ( ثلثي الليل ) واحتج بالحديث: « انتهت صلاة النبي إلى ثلث الليل » وهذا أيضا مما يكره أن تعارض به قراءة الجماعة بما لم يقرأ به وبحديث إن صح لم تكن فيه حجة.

                                                                                                                                                                                                                                        ( وطائفة من الذين معك ) احتج بعض العلماء بهذا، واستدل على أن صلاة الليل ليست بفرض، قال: ولو كانت فرضا لقاموا كلهم ( والله يقدر الليل والنهار ) أي يقدر ساعاتهما وأوقاتهما ( علم أن لن تحصوه ) قال الحسن وسعيد بن جبير : أن لن تطيقوه، وقال الفراء : أن لن تحفظوه ( فتاب عليكم ) رجع لكم إلى ما هو أسهل عليكم، والتوبة في اللغة الرجوع ( فاقرءوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى ) والتقدير عند سيبويه : أنثه وذكر سيكون؛ لأنه تأنيث غير حقيقي ( وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله ) عطف على مرضى، وكذا ( وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه ) فلهذا استحب جماعة من العلماء قيام الليل ولو كان أدنى شيء، والحديث فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مؤكد ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضا حسنا ) قال ابن زيد : النوافل سوى الزكاة ( وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا ) أي: مما أنفقتم، ونصبت ( خيرا ) لأنه خبر ( تجدوه ) و( هو ) زائدة للفصل ( واستغفروا الله ) أي: من ذنوبكم وتقصيركم ( إن الله غفور ) أي: على سائر عقوبة من تاب ( رحيم ) به لا يعذبه بعد التوبة.

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 64 ]

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية