الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وكره : أكله خارج المسجد ، واعتكافه غير مكفي ، [ ص: 174 ] ودخوله منزله وإن لغائط ، واشتغاله بعلم وكتابته وإن مصحفا إن كثر [ ص: 175 ] وفعل غير ذكر وصلاة وتلاوة : كعيادة وجنازة ، ولو لاصقت وصعوده لتأذين بمنار أو سطح ، وترتبه للإمامة [ ص: 176 ] وإخراجه لحكومة إن لم يلد به ، وجاز : إقراء قرآن ، [ ص: 177 ] وسلامه على من بقربه وتطيبه ، وأن ينكح وينكح بمجلسه ، وأخذه إذا خرج لكغسل جمعة ظفرا ، أو شاربا ، [ ص: 178 ] وانتظار غسل ثوبه أو تجفيفه .

التالي السابق


( وكره ) بضم فكسر ( أكله ) أي المعتكف ( خارج المسجد ) بفنائه أو رحبته الخارجة عنه وإلا بطل اعتكافه . وأما رحبته التي هي صحنه وما كان داخلا فيه فلا يكره أكله به ففيها ولا يأكل ولا يشرب إلا في المسجد ورحابه . وكره أن يخرج منه فيأكل بين يدي بابه وظاهره كالمصنف . ولو خف الأكل وقرب الخارج جدا وعدم كراهة الشرب .

( و ) كره ( اعتكافه غير مكفي ) بفتح فسكون فكسر وشد المثناة اسم مفعول كفى أصله بوزن مفعول ، فأبدلت واوه ياء لاجتماعها ساكنة مع ياء وأدغمت في الياء وأبدلت الضمة كسرة أي : ليس معه ما يكفيه من المأكول والمشروب وظاهره ولو وجد من يكفيه ذلك بأجرة أو مجانا وفيها ما لم يجد كافيا وله الخروج لشراء الطعام ونحوه ، ولا يقف مع أحد لحديث ولا لقضاء دين أو اقتضائه ولا بمكث بعد قضاء حاجته زمنا [ ص: 174 ] ; لأنه خروج عن عمل الاعتكاف وحرمته كالصلاة عند خروج راعف فيها لغسل دمه ، فإن فعل شيئا من ذلك فسد اعتكافه . قال الإمام مالك رضي الله تعالى عنه يندب شراؤه من أقرب الأسواق إلى المسجد .

( و ) كره ( دخوله ) أي : المعتكف ( منزله ) أي : المعتكف الذي به زوجته أو سريته القريب إن دخله لغير حاجة بل ( وإن ) دخله ( لغائط ) فإن بعد منع دخوله ، وإن لم يكن به أهله فلا يكره كدخوله أسفله وأهله أعلاه . وهذا لا ينافي جواز مجيء زوجته إليه وأكلها معه وحديثها له في المسجد ; لأنه مانع من الوطء ومقدماته ولا مانع منهما في المنزل ( و ) كره ( اشتغاله ) أي : المعتكف ( ب ) تعلم ( علم ) أو تعليمه إن لم يتعين وإلا فلا يكره .

فإن قيل ورد أن الاشتغال بالعلم أفضل من صلاة النفل فلم كره هنا . قلت حكمة الاعتكاف رياضة النفس وتصفيتها من صفاتها المذمومة وهي لا تحصل بالعلم . البناني تقييد الكراهة بعدم تعين العلم خلاف ظاهر إطلاقها في المدونة وغيرها . شيخ مشايخنا الدسوقي قد يقال العيني لا ترخيص في تركه فلا تصح كراهته فالنص ، وإن كان مطلقا ينبغي تقييده بغيره .

( و ) كره ( كتابته ) أي : المعتكف ينبغي ما لم تكن لقوته إن كتب غير مصحف بل ( وإن ) كتب ( مصحفا ) المواق لم أجده منصوصا ( إن كثر ) أي الاشتغال بالعلم والكتابة فإن قل فلا يكره . ابن رشد هذا على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك رضي الله تعالى عنهما من أن الاعتكاف يختص من أعمال البر بذكر الله تعالى وقراءة القرآن والصلاة . وأما على مذهب ابن وهب المبيح للمعتكف جميع أعمال البر المختصة بالآخرة فيجوز له مدارسة العلم وعيادة المرضى الذين معه في معتكفه والصلاة على الجنازة إذا انتهى إليه زحام الناس . ويجوز له كتب المصاحف للثواب لا ليتمونها ولا على أجرة يأخذها بل ليقرأ [ ص: 175 ] فيها وينتفع بها من احتاج إليها انتهى . وهو يدل على أن كتب المصحف لا يباح على المشهور .

( و ) كره ( فعل غير ذكر ) من تسبيح وتهليل ودعاء وتفكر في آيات الله تعالى وما يئول إليه أمر الدنيا والآخرة ، وهذه عبادة السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم ( و ) غير ( صلاة ) وفي معناها الطواف ودخول الكعبة .

( و ) غير ( تلاوة ) للقرآن العزيز وحكمه بكراهة فعل غيرها يدل على أن فعلها ليس واجبا ولا مستوى الطرفين إذ لو وجب لحرم فعل غيرها وقد حكم بكراهته ، ولو أبيح لأبيح فعل غيرها فلم يبق إلا الندب فقول تت لم يعلم من كلام المصنف عين الحكم ; لأنه إنما نفي الكراهة عن هذه الثلاثة غير ظاهر قاله عج . عبق قوله فلم يبق إلا الندب قد تمنع الملازمة بأن يقال اللازم أن لو جاز فعلها جواز تركها وهو صادق بكونه خلاف الأولى ، فلا يثبت ندب الثلاثة كما قال تت . البناني قوله لو جاز فعلها لجاز مقابله إلخ فيه نظر ; إذ قد قال : يجوز فعلها والكف عنها ولا يلزم جواز فعل غيرها اللهم إلا أن ينفي الجواز فيها لما علم أن الذكر وما في معناه لا يكون مستوي الطرفين .

وشبه في الكراهة فقال ( كعيادة ) بمثناة تحتية أي : زيارة لمريض بالمسجد بعيد عنه كان خارجا من المسجد منعت وأبطلت الاعتكاف ، وإن قرب منه وهو بالمسجد جازت ( و ) صلاة ( جنازة ) ظاهره ولو كان جارا أو صالحا فيخص ما سبق بغير المعتكف إن بعدت بل ( ولو لاصقت ) الجنازة المعتكف بأن وضعت بقربه أو انتهى زحامها إليه .

( وصعوده ) أي : المعتكف ( لتأذين بمنار أو سطح ) للمسجد ومفهومه جواز تأذينه بمكانه أو صحن المسجد ، وهو كذلك إن لم يكن يرصد الأوقات وإلا كره . ابن عرفة عياض إن كان يرصد الأوقات أو يؤذن بغير معتكفه من رحاب المسجد فيخرج إلى بابه كره وإلا فظاهرها جوازه ونحوه للتوضيح عن اللخمي ( وترتبه للإقامة ) وكذا تكره [ ص: 176 ] إن لم يترتب لها المشبه للإمام وأورد عليه أذانه بصحن المسجد وفي بعض النسخ للإمامة بمعين بدل الإقامة ، وفيه نظر ; إذ المشهور جوازه قاله ابن ناجي بل ندبها .

( و ) كره ( إخراجه ) أي المعتكف من المسجد ( لحكومة ) بينه وبين غيره ( إن لم يلد ) المعتكف بفتح الياء من لد وبضمها من ألد أي لم يقصد الفرار من الحق ( به ) أي : الاعتكاف وبقي من اعتكاف زمن يسير لا يحصل لخصمه ضرر بصبره إلى انتهائه وإلا فلا يكره إخراجه لها ومفهومه أنه إن ألد به فلا يكره إخراجه إلا أن يبقى زمن يسير فيكره إخراجه لها إن لم يخش هروبه ولم يأت بحميل ، فكل من المنطوق والمفهوم مقيد لكن المنطوق مقيد بعدم الطول ، والمفهوم مقيد بالطول فيها إن خرج يطلب حدا له أو دينا أو أخرج فيما عليه من حد أو دين فسد اعتكافه . وقال ابن نافع عن مالك رضي الله تعالى عنهما إن أخرجه قاض لخصومة أو غيرها كارها فأحب إلي أن يبتدئ اعتكافه وإن بنى أجزأه انتهى . طفي ظاهر إطلاقها ألد باعتكافه أو لا . وقال القلشاني في شرح الرسالة إن أخرج كرها ، وكان اعتكافه هربا من الحق فخروجه يبطل اعتكافه اتفاقا ونحوه في الجواهر فيقيد كلامها بهذا .

( وجاز ) للمعتكف ( إقراء قرآن ) أي : إسماعه لغيره أو سماعه منه على غير وجه التعليم والتعلم وإلا كره على المذهب قاله عب . البناني قوله لا على وجه التعليم والتعلم هذا ما في الحط عن سند . واعترض بأن المصنف أراد كلام الجلاب لاقتصاره عليه في التوضيح كابن عرفة وابن غازي والمواق وغيرهم ، وهو يؤذن بأنه المذهب ، لكن قيده شارحه [ ص: 177 ] الشارمساحي ونصه وأما إقراء القرآن فيجوز وإن كثر ; لأنه ذكر إلا أن يكون قاصدا للتعليم فيمنع كثيره ، وبهذا يجمع بين كلام سند والجلاب .

( و ) جاز ( سلامه ) أي : المعتكف ( على من ) كان ( بقربه ) صحيح أو مريض بدون انتقال ولا قيام من مجلسه وإلا كره أي سؤاله عن حاله لا مجرد قوله السلام عليكم لدخوله في الذكر ( و ) جاز ( تطيبه ) أي المعتكف نهارا وأولى ليلا لبعده من النساء ومانعية المسجد وإن كره للصائم غير المعتكف نهارا هذا هو المشهور قال حمديس يكره تطيب المعتكف .

( و ) جاز ( أن ينكح ) بفتح المثناة أي : يتزوج المعتكف ( وينكح ) بضمها أي : يزوج المعتكف من له عليه ولاية بقرابة أو ملك أو إيصاء أو تقويم أو توكيل وتنازع ينكح وينكح في قوله ( بمجلسه ) أي المعتكف من غير تطويل وإلا كره ما دام بالمسجد ، وفرق بينه وبين المحرم بأن الأصل جوازه لهما ، وخرج المحرم بدليل خاص وبقي لمعتكف على الأصل وبأن المحرم بعيد عن أهله بالسفر غالبا وفساد إحرامه أشد من فساد الاعتكاف ، ولا مانع له من الوطء بخلاف المعتكف ( وأخذه ) أي : قص وإزالة المعتكف ( إذا خرج ) من المسجد ( لكغسل جمعة ) أو عبد أو لحر أصابه أو جناية ويجب خروجه لها ، فإن تعذر تيمم ومكث ومفعول أخذه ( ظفرا أو شاربا ) أو إبطا أو عانة .

ويكره في المسجد ولو جمعة في ثوب كاستياكه به وتحرم حجامته وفصادته به كبوله وتغوطه به فإن اضطر لشيء منها خرج له فإن فعله في المسجد فمن أبطل الاعتكاف بكل منهي عنه أبطله هنا ، ومن خص الإبطال بالكبيرة فلا قاله سند . وأشعر قوله إذا خرج أنه لا يخرج لمجرده ولا بأس أن يخرج يده أو رأسه لمن هو خارج المسجد ليأخذ ذلك منه ولا يخرج للحمام إذا احتلم إلا أن لا يستطيع الماء البارد ولا يمكنه الطهر في بيته فليذهب إليه وأفهم عدم جواز حلق الرأس إذا خرج وهو كذلك قاله [ ص: 178 ] أبو الحسن لطول زمنه ، فيجوز إخراج رأسه لمن يحلقه خارج المسجد { لترجيل عائشة رضي الله تعالى عنها رأسه صلى الله عليه وسلم وهي في حجرتها وهو في المسجد } والظاهر كراهة إخراج العضو المقصود أو المحجوم حيث لم يضطر لعدم تحقق تلويث الدم المسجد قاله عج .

( و ) جاز ( انتظار غسل ثوبه ) عند من يغسله له خارج المسجد ( و ) انتظار ( تجفيفه ) أي : الثوب إن لم يكن له ثوب غيره ولم يجد نائبا عنه في ذلك قاله سند وإلا كره كما فيها فلا تنافي بينهما لحمل ما فيها على من له غيره ، وكذا غسله بنفسه وتجفيفه .




الخدمات العلمية