الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وإزالة شعثه ، وترك اللفظ به ، والمار به إن لم يرد مكة ، [ ص: 231 ] أو كعبد فلا إحرام عليه ، ولا دم ، وإن أحرم إلا الصرورة المستطيع فتأويلان ، ومريدها إن تردد أو عادلها لأمر ، [ ص: 232 ] فكذلك ، وإلا وجب الإحرام ، وأساء تاركه ، ولا دم إن لم يقصد نسكا ، [ ص: 233 ] وإلا رجع ، وإن شارفها ولا دم وإن علم ، ما لم يخف فوتا ، فالدم : كراجع بعد إحرامه ، ولو أفسد ، لا فات ، وإنما ينعقد بالنية .

التالي السابق


( وإزالة شعثه ) أي : مريد الإحرام بتقليم أظفاره وقص شاربه وحلق عانته ونتف إبطه وإزالة شعر بدنه إلا شعر رأسه فالمندوب إبقاؤه وتلبيده بصمغ أو غاسول ليلتصق على رأسه ولا تتربى فيه الدواب ، واكتحاله وادهانه بغير مطيب .

( وترك اللفظ ) أي التلفظ حال الإحرام ( به ) أي : اللفظ الدال عليه بأن يقتصر على نية الدخول في حرمات الحج أو العمرة هذا هو المعروف وعن مالك : رضي الله عنه كراهته . وعن ابن وهب ندبه بأن يقول لبيك أو أحرمت بحج أو عمرة أو بعمرة وحجة للخروج من قول أبي حنيفة رضي الله عنه إن لم يلفظ به لم ينعقد ( و ) الشخص ( المار به ) أي : الميقات ( إن لم يرد ) بضم فكسر أي يقصد ( مكة ) بأن كانت حاجته دونها أو في جهة أخرى وهو ممن يلزمه الإحرام لو أرادها . [ ص: 231 ] أو ) أرادها وهو غير مخاطب بالحج ( كعبد ) وصبي أو يخاطب به ولا يصح منه لكفره ( فلا إحرام عليه ) من الميقات ( ولا دم ) عليه بمجاوزة الميقات بلا إحرام إن استمر كذلك بل ( وإن ) بدا له بعد مجاوزته بلا إحرام دخولها أو إذا الولي أو السيد للعبد أو الصبي في الإحرام أو أعتق أو بلغ أو أفاق المجنون أو المغمى عليه أو أسلم الكافر و ( أحرم ) بفرض أو نفل فلا دم لمجاوزته بوجه جائز .

( إلا الصرورة ) الذي لم يحج حجة الإسلام ( المستطيع ) له الذي مر على الميقات غير مريد مكة ولم يحرم منه وبدا له بعده دخولها فأحرم بالحج في أشهره ( ف ) في لزومه الدم ; لأنه صار كمن مر به مريدها وعدمه نظرا لحال مروره ( تأويلان ) أي : فهمان لشارحيها الأول لابن شبلون والثاني لابن أبي زيد .

( ومريدها ) أي : مكة ( إن تردد ) لها من مكان قريب دون المواقيت أي أتاها منه ثم عاد منها إليه ثم عاد منه إليها ، وهكذا في أيام متقاربة متسببا بفاكهة أو ماشية أو حشيش أو فحم أو نحوها . وأما المار على الميقات مريدا مكة فيجب الإحرام عليه في كل مرة سواء كان مترددا أو غيره كما تقيده المدونة وإن أوهم كلام المصنف أن المار به المتردد لا إحرام عليه فلا يعول عليه أفاده الرماصي . اللخمي ويندب للمتردد لها من دون الميقات الإحرام أول مرة نقله ابن عرفة والموضح والحط .

( أو عاد ) أي : رجع مريدها ( لها ) أي : مكة من مكان قريب كمسافة قصر بعد أن كان مقيما بها وخرج منها لا يريد العود لها وعاد لها ( لأمر ) عاقه عن السفر ، فإن عاد لها اختيارا لغير عائق وجب عليه الإحرام وإلا لزمه الدم قاله ابن رشد ، ونقله الحط أو خرج منها مريدا العود إليها ورجع من مكان قريب لم يقم فيه كثيرا ولو لغير عائق كفعل ابن عمر رضي الله تعالى عنهما حيث خرج من مكة إلى قديد فبلغته فتنة المدينة فرجع فدخل مكة بلا إحرام . [ ص: 232 ] فكذلك ) أي المار الذي لم يردها في عدم لزوم الإحرام وعدم الدم . سند وألحق بهذا من خاف من سلطانها ولم يمكنه أن يظهر أو خاف من جور يلحقه بوجه فيجوز له دخولها بلا إحرام في ظاهر المذهب ; لأنه جائز مع عذر التكرار فكيف بعذر المخافة وقال الشافعي وغيره رضي الله تعالى عنهم . اللخمي وغيره وألحق به أيضا دخولها لقتال جائز .

( وإلا ) أي : وإن لم يكن مريدها مترددا من قريب ولم يعد لها لأمر بل عاد لها لنسك أو تجارة أو لسكناها ولم يعد لها من قريب بل من بعيد زائد على مسافة القصر سواء خرج منها بنية العود أم لا ( وجب ) عليه ( الإحرام ) لدخول مكة ; لأن دخولها حلالا من خصائصه صلى الله عليه وسلم ( وأساء ) أي : أثم ( تاركه ) ولم يستغن عن هذا بقوله وجب ; لأنه قد يستعمل في معنى تأكد كقولهم وجب الوتر وجب الأذان وليس مرادا هنا .

( ولا دم ) عليه بتركه صرورة أم لا ( إن لم يقصد نسكا ) ولا دخول مكة فقصد دخولها كقصد النسك . البناني فتحصل أن مريد مكة من مكان قريب إن كان مترددا أو رجع لها الفتنة فلا إحرام عليه وإلا وجب الإحرام عليه ، وأن المار بالميقات إن لم يرد مكة أو كان كعبد فلا إحرام عليه ولا دم وإن أرادها وهو مخاطب به وجب عليه الإحرام من غير تفصيل ، وإنما التفصيل في الدم إن لم يحرم . ابن عرفة تعديه حلال لغير دخول ولا حج ولا عمرة عفو ثم قال : ولأحدهما ممنوع ثم ذكر التفصيل في الدم .

طفي لكن التفصيل في قوله إن لم يقصد نسكا في متعدي الميقات ; لأن من دخل حلالا غير متعد الميقات لا دم عليه ، ولو قصد النسك عند ابن القاسم وهو مذهب المدونة . والحاصل أن المصنف أداه الاختصار إلى عدم ترتيب هذه المسائل وعلى ما قرره الحط ، يبقى على المصنف حكم تعدي الميقات حلالا هل هو ممنوع أم لا ؟ فالأولى التعميم في قوله وإلا وجب الإحرام أما وجوبه لدخول مكة فظاهر وأما عند الميقات فقال ابن عرفة [ ص: 233 ] تعديه حلالا لدخول مكة ممنوع فصرح بالمنع ا هـ .

( وإلا ) أي : بأن قصد مريد مكة نسكا حجا أو عمرة ولم يتردد ، وتعدى الميقات جاهلا به أو عالما ولم يحرم منه ( رجع ) وجوبا للميقات وأحرم منه إن لم يشارف مكة بل ( وإن شارفها ) أي قارب مكة بل يرجع وإن دخلها كما هو ظاهر المدونة ، وبه أفتى الناصر خلافا لما يوهمه المصنف قاله الحط ( ولا دم ) عليه إن رجع قبل إحرامه ; لأنه لما رجع إليه وأحرم منه صار كأنه أحرم منه ابتداء وظاهره رجع عن قرب أو بعد خلافا لقول ابن الحاجب ، فإن عاد قبل البعد للميقات وأحرم منه فلا دم عليه إن جهل أن مجاوزته حلالا ممنوعة .

بل ( وإن علم ) ذلك وأخرج من قوله رجع فقال ( ما لم يخف ) قاصد النسك برجوعه ( فوتا ) لحجة أو رفقة ولا مرضا شاقا فإن خاف شيئا منها ( فالدم ) وجب عليه ويسقط عنه وجوب الرجوع ويحرم من مكانه ويتمادى ; لأن محظورات الإحرام تباح بالعذر ويلزم الدم ، وهذا إن أدرك الحج ، فإن فاته فلا دم عليه لقوله الآتي لا فات .

وشبه في وجوب الدم فقال ( كراجع ) للميقات الذي تعداه بلا إحرام منه ( بعد إحرامه ) في محل بعده إلى جهة مكة فالدم تخلد عليه ولا يسقطه عند رجوعه بعد إحرامه إن لم يفسد إحرامه بل ( ولو أفسد ) إحرامه بجماع أو إنزال فيتمادى عليه كالصحيح إلى تمامه ويقضيه ، وعليه هديان هدي لتعدي الميقات وهدي للإفساد ( لا ) يتخلله عليه الهدي إن ( فات ) الحج وتحلل منه بفعل عمرة فيسقط عنه دم التعدي ; لأنه بتحلله صار بمنزلة من لم يحرم أصلا ولأنه لم يتسبب فيه ، فإن بقي على إحرامه لقابل فعليه الدم ; لأنه حينئذ بمنزلة من لم يفته .

( وإنما ينعقد ) الإحرام بحج أو عمرة ( بالنية ) للدخول في عبادة الحج أو العمرة والحصر منصب على قوله الآتي مع قول إلخ إن وافقها لفظه بل .




الخدمات العلمية