الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والمشي لمسجد مكة ولو لصلاة [ ص: 111 ] وخرج من بها وأتى بعمرة كمكة ، أو البيت ، أو جزئه لا غير ، [ ص: 112 ] إن لم ينو نسكا من حيث نوى ، وإلا حلف أو مثله إن حنث به وتعين محل اعتيد وركب في المنهل ، ولحاجة كطريق قربى اعتيدت ، [ ص: 113 ] وبحرا اضطر له ، لا اعتيد على الأرجح لتمام الإفاضة وسعيها .

التالي السابق


فقال ( و ) لزم ( المشي لمسجد مكة ) من حلف به وحنث أو نذره في حج أو عمرة بل ( ولو ) حلف به أو نذره ( لصلاة ) فيه فرض أو نفل . اللخمي هذا قول مالك رضي الله تعالى عنه ; لأن مذهبه أن التضعيف الوارد في المسجد الحرام في الفرض والنفل والقول بأنه في الفرض فقط خارج المذهب ، صرح به عياض آخر الشفاء ، وظاهر المصنف ولو لامرأة كما في المدونة ، وقيدها ابن محرز بما [ ص: 111 ] إذا لم يلحقها ضرر يظن به انكشافها ولم تخش الفتنة بها ، وإلا فلا يلزمها المشي بل ربما حرم عليها ، وارتضاه في التوضيح ، وللزوج منعها من نذر المشي . وأشار ب ولو لقول القاضي إسماعيل من نذر المشي للمسجد الحرام للصلاة لا للنسك فلا يلزمه المشي ، ويركب إن شاء واقتصر عليه ابن يونس ، وبه اعترض المواق . المصنف وشهره ابن بشير وابن الحاجب فقال : ولو ذكر المشي فلا يلزمه في الثلاثة على المشهور أي المساجد الثلاثة ، فسوى بينها في عدم اللزوم لكن لما تعقب في التوضيح على ابن الحاجب بقوله : كلام الإكمال يقتضي أن قول إسماعيل مخالف للمذهب . ا هـ . تبع هنا ما له في التوضيح . طفى ما هنا هو الصواب لما في الإكمال ، ولنقل الآبي عن المازري أن المشهور فيمن نذر الصلاة بأحدها ماشيا أنه إنما يلزمه المشي في نذر المسجد الحرام ، ولقول ابن عرفة قول إسماعيل خلاف ظاهر الروايات ونص الآبي في الكلام على حديث { لا تشد الرحال إلا لثلاث } . المازري اختصت الثلاثة لفضلها على غيرها بأن من كان بغيرها ونذر الصلاة بأحدها أتاها ، فإن قال ماشيا فقال إسماعيل لا يلزمه ويأتي راكبا في الجميع . وقال ابن وهب يلزمه المشي في الجميع والمشهور أنه يلزمه المشي في المسجد الحرام فقط . ا هـ . قلت تبين مما تقدم تشهير كل من القولين أن على المصنف التعبير بخلاف . ا هـ بناني

( وخرج ) إلى الحل ( من ) نذر المشي لمكة وهو ( بها ) أي مكة سواء كان بالمسجد الحرام أو خارجه ، وكذا من نذر المشي للمسجد وهو داخله اتفاقا أو نذر المشي للمسجد الحرام حال كونه خارجا عنه عند ابن القاسم في أحد قوليه ، وقوله الآخر يكفيه المشي من موضعه للمسجد ، وعزي للإمام مالك أيضا ( وأتى بعمرة ) من طرف الحل ماشيا ، ولا يلزمه المشي حال خروجه . وشبه في وجوب المشي فقال ( ك ) ناذر المشي ( لمكة أو البيت ) الحرام أي الكعبة ( أو جزئه ) أي البيت المتصل به كبابه وركنه وملتزمه وشاذروانه وحجره ( لا غير ) [ ص: 112 ] بالضم عند حذف المضاف إليه ونية معناه أي لا ملتزم المشي لغير ما ذكر مما ليس متصلا بالبيت ، سواء كان بالمسجد الحرام كزمزم والمقام والمنبر وقبة الشراب أو خارجا عنه كالصفا والمروة ، أو خارجا عن الحرم كعرفة فلا يلزمه المشي ( إن لم ينو ) الملتزم ( نسكا ) بضم النون والسين أي حجا أو عمرة ، فإن نواه لزمه المشي ويمشي من لزمه المشي في جميع ما مر ( من حيث ) أي من المكان الذي ( نوى ) الملتزم المشي منه سواء كان موضع التزامه أو غيره .

( وإلا ) أي وإن لم ينو المشي من مكان معين فيمشي من حيث جرى العرف بالمشي منه ، فإن لم يجر العرف بالمشي من محل فيمشي من حيث ( حلف ) أو نذر وقيل من حيث حنث ( أو ) من ( مثله ) أي موضع الحلف في البعد لا في الصعوبة والسهولة ( إن حنث ) الحالف ( به ) أي في المثل ومفهوم هذا الشرط أنه إن مشى من مثله ولم يحنث به لا يجزيه ، وكلام اللخمي يفيد أنه يجزيه ، وكذا نقل ابن عرفة والشارح وغيرهما ( وتعين ) بفتحات مثقلا لابتداء مشي ملتزم المشي إن لم يكن له نية وفاعل تعين ( محل اعتيد ) المشي منه للحالفين سواء اعتيد المشي منه لغيرهم أيضا أم لا كان من مكة أو نواحيها .

( وركب ) أي جاوز ركوب ملتزم المشي لقضاء حاجة ( في ) حال إقامته في ( المنهل ) بفتح الميم والهاء بينهما نون ساكنة أي مكان النزول كان به ماء أم لا ( و ) ركب ( لحاجة ) بغير المنهل قبل نزوله نسيها فعاد إليها . وشبه في الجواز فقال ( ك ) مشي في ( طريق قربى اعتيدت ) للحالفين سواء اعتيدت لغيرهم أيضا أم لا ، فإن اعتيدت البعدى للحالفين والقربى لغيرهم تعينت البعدى وإن أعيدتا معا للحالفين مشى من أيهما شاء وإن لم تعتد واحدة منهما لهم تعينت البعدى . [ ص: 113 ] و ) ركب ( بحرا اضطر له ) بأن كان في جزيرة فلا يمكنه الوصول إلى مكة إلا بركوبه ( لا اعتيد ) ركوبه ظاهره ولو للحالفين فلا يجوز للحالف ركوبه ( على الأرجح ) عند ابن يونس من الخلاف . طفى ظاهر كلامه هنا وفي التوضيح أن ابن يونس منع ركوب البحر المعتاد مطلقا اعتيد للحج أو التجر أو الحلف ، وإنه اختار هذا من خلاف وليس كذلك فيهما ، ويتبين لك ذلك بالوقوف على كلام ابن يونس . وحاصله أن أبا بكر بن عبد الرحمن أجاز ركوب البحر المعتاد للحجاج مطلقا الحالفين وغيرهم وأن أبا عمران منع ركوب المعتاد مطلقا ، وأن ابن يونس قيد الجواز بكونه معتادا للحالفين ، فإن اعتيد لغيرهم فقط فلا يجوز ، فعلى المصنف الدرك في نسبة إطلاق المنع لابن يونس وتعبيره عن ترجيحه بالاسم والله أعلم . ويمشي من لزمه المشي ( لتمام ) طواف ( الإفاضة ) إن كان سعى عقب طواف القدوم ( و ) لتمام ( سعيها ) أي السعي عقب الإفاضة إن لم يسع عقب القدوم ، ويحتمل أن الضمير للعمرة ويفوته حكم من لم يسمع عقب القدوم .




الخدمات العلمية