الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ودعوا للإسلام ، [ ص: 145 ] ثم جزية بمحل يؤمن ، وإلا قوتلوا وقتلوا ; إلا المرأة ; إلا في مقاتلتها ، والصبي [ ص: 146 ] والمعتوه : كشيخ فان ، وزمن ، وأعمى ، وراهب منعزل بدير أو صومعة بلا رأي [ ص: 147 ] وترك لهم الكفاية فقط ، واستغفر قاتلهم : كمن لم تبلغه دعوة ، وإن حيزوا فقيمتهم ، والراهب والراهبة حران .

التالي السابق


( ودعوا ) بضم الدال والعين أي الكفار قبل القتال ( للإسلام ) إجمالا من غير تفصيل الشرائع إلا أن يسألوا عنها فتبين لهم قاله ابن شاس بلغتهم الدعوة أم لا على أحد قولي [ ص: 145 ] الإمام مالك رضي الله تعالى عنه ، وتكرر الدعوة ثلاثة أيام متوالية . وقيل ثلاث مرات في يوم ويقاتلون في أول اليوم الرابع بلا دعوة ، والمراد بالإسلام ما يخرج به من الكفر كالشهادتين لمن لم يقر بمضمونهما وعموم رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لمنكر عمومها ، فتدعى كل فرقة للخروج عما كفرت به .

( ثم ) إن امتنعوا من الإسلام دعوا إلى أداء ( جزية ) بكسر الجيم وسكون الزاي مجملة إلا أن يسألوا عن تفصيلها فتبين لهم ( بمحل يؤمن ) على المسلمين من غدر الكفار فيه راجع لدعائهم للإسلام ولدعائهم للجزية ( وإلا ) أي وإن لم يجيبوا للجزية أو أجابوا لها لكن بمحل لا تنالهم فيه أحكامنا ولم يرتحلوا إلى بلادنا أو خيف من دعائهم إلى الإسلام أو الجزية أن يعاجلونا بالقتال ( قوتلوا ) أي أخذ في قتالهم ( و ) إذا قدر عليهم ( قتلوا ) أي جاز قتلهم ( إلا ) سبعة فلا يجوز قتلهم ( المرأة ) فلا تقتل في حال ( إلا في مقاتلتها ) فتقتل إن قتلت بسلاح أو حجارة أسرت أم لا . وتقتل أيضا إن قاتلت بسلاح ونحوه كالرجال أسرت أم لا عند ابن القاسم ، فإن قاتلت برمي حجارة ونحوها فلا تقتل بعد أسرها اتفاقا ، ولا في حال مقاتلتها على الراجح ، فالأقسام غانية فيستثنى من قوله إلا في مقاتلتها هذان الأخيران فقط .

وتجري الأقسام الثمانية في قوله ( و ) إلا ( الصبي ) المطيق للقتال فيقال إلا أن يقاتل فكالمرأة ابن عرفة يقتل كل مقاتل حين قتاله . ابن سحنون ولو كان شيخا كبيرا وسمع يحيى بن القاسم ، وكذا المرأة والصبي المواق . فلو قال المصنف إلا المرأة والصبي إلا في قتالهما لأجاد . الرجراجي الصبي المراهق كالنساء في جميع ما ذكروا ا هـ . وتقييده بالمراهق هو الظاهر كما يشهد له كلام التوضيح وابن عرفة في العتبية ، قال يحيى قال ابن القاسم في المرأة والغلام الذي لم يحتلم من العدو يقاتلان مع العدو ثم يؤسران أن قتلهما بعد أسرهما حلال جائز كما كان ذلك منهما في حال القتال والمكابرة قبل الأسر ، ولا يتركان [ ص: 146 ] { لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان } ; لأنهما قد استوجبا القتل بقتالهما .

ابن رشد يريد بقوله لا يتركان لنهي النبي صلى الله عليه وسلم أي لا يترك قتلهما تحرجا إذ لا تؤمن غائلتهما . لا أن قتلهما واجب ، وذلك بين من قوله في أول المسألة إن قتلهما حلال جائز ا هـ ( و ) إلا ( المعتوه ) أي ضعيف العقل . سحنون والمجنون والمختل العقل وشبههم ، وشبه في منع القتل فقال ( كشيخ فان ) أي لا بقية فيه للقتال ، ولا للتدبير ( وزمن ) بكسر الميم أي مقعد أو أشل أو مفلوج أو مجزم أو نحوهم ( وأعمى ) وأعرج ( وراهب منعزل ) عن الكفار ( بدير ) بفتح الدال وسكون المثناة ( أو صومعة ) بفتح الصاد المهملة لاعتزالهم أهل دينهم وتركهم معونتهم بيد أو رأي قاله في البيان . ابن عرفة عن ابن حبيب لاعتزالهم أهل دينهم عن محاربة المسلمين لا لفضل تبتلهم بل هم أبعد عن الله تعالى لشدة كفرهم وأولى في عدم القتل الراهبة .

وفي التوضيح عن الاستذكار كان الحكمة في ذلك والله أعلم أن الأصل منع إتلاف النفوس ، وإنما أبيح منه ما يقتضي دفع المفسدة ومن لا يقاتل ، ولا هو أهل له في العادة ليس في إحداث المفسدة كالمقاتلين فرجع الحكم فيهم إلى الأصل وهو المنع .

( بلا رأي ) قيد في منع قتل الشيخ ومن بعده ، ولذا فصله بالكاف عما قبله . ومفهوم بدير إلخ أن الراهب المنعزل بكنيسة يقتل كمنعزل بدير أو صومعة وله رأي ، والاقتصار على استثناء السبعة يفيد قتل أجرائهم وزراعهم وأهل صناعاتهم وهو كذلك ، هذا قول سحنون وهو خلاف المشهور . وقال ابن القاسم وابن وهب وابن الماجشون وابن حبيب يؤسرون ، ولا يقتلون ، وحكاه اللخمي عن الإمام مالك رضي الله تعالى عنه ، قال وهو أحسن ; لأن هؤلاء في دينهم كالمستضعفين . وصرح القلشاني بأن هذا هو المشهور قائلا خلافا لسحنون ، ولذا أدخلهم في التوضيح في قول ابن الحاجب ويلحق بهم الزمنى والشيخ الفاني [ ص: 147 ] ونحوهم ، قال مراده بنحوهم الفلاحون وأهل الصناعات .

( وترك ) بضم فكسر ( لهم ) أي من لا يقتلون ( الكفاية فقط ) من مال الكفار لظن يسرتهم ويقدم مالهم فإن لم يكن للكفار مال وجب على المسلمين مواساتهم قال فيها ويترك لهم من أموالهم ما يعيشون به ، ولا تؤخذ كلها فيموتون ( واستغفر ) أي تاب ( قاتلهم ) أي الشيخ ومن بعده قبل صيرورتهم غنيمة ، ولا دية عليه ، ولا كفارة وكل من لا يقتل يسبى إلا الراهب والراهبة .

وشبه في الاستغفار فقال ( ك ) قاتل ( من لم تبلغه دعوة ) ولو متمسكا بكتاب نبيه ونص التوضيح فإن قوتل من لم تبلغه الدعوة قبلها فقتلهم المسلمون وغنموا أموالهم وأولادهم فلا دية ، ولا كفارة على من قتلهم . وحكى المازري عن بعض البغداديين إن ثبت أن المقتول كان متمسكا بكتابه مؤمنا بنبيه ولم يعلم بعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ففيه الدية ا هـ .

( وإن ) قتل من يؤسر وهو من عدا الراهب والراهبة بعد أن ( حيزوا ) وصاروا مغنما ( ف ) على قاتلهم ( قيمتهم ) يجعلها الإمام في الغنيمة ( والراهب والراهبة ) المنعزلان بدير أو صومعة بلا رأي ( حران ) فلا يؤسران ولا يسترقان عند الإمام مالك رضي الله تعالى عنه وقال سحنون تسترق الراهبة ، وظاهر كلام المصنف ولو ترهب ببلد الإسلام وذهب لأرض الحرب وهو كذلك فيستصحب له ذلك الحكم حتى يثبت خلافه وعلى قاتلهما ديتهما إذا قتلا بعد أن صارا في الغنيمة ، وما تقدم من أنه لا دية في قتل من نهي عن قتله إنما هو قبل أن يصيروا في المغنم . سحنون ومن قتل من نهي عن قتله فإن قتله في دار الحرب قبل أن يصير في المغنم فليستغفر الله تعالى ، وإن قتله بعد أن صار مغنما فعليه قيمته يجعلها الإمام في المغنم يعني في غير الراهب والراهبة ; لأنهما حران ، ومقتضى هذا أن فيهما الدية لكن لم أره منصوصا لأحد ، وما ذكره عج من أن على قاتلهما قبل صيرورتهما [ ص: 148 ] في المغنم الدية . قال طفي لم أره منصوصا ، ولا وجه له والذي رأيته للباجي خلافه وذكر نص المنتقى فانظره .




الخدمات العلمية