الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 165 ] ومنع منه بيع حاكم ، ووارث رقيقا فقط : بين أنه إرث ، [ ص: 166 ] وخير مشتر ظنه غيرهما ، .

[ ص: 167 ] وتبري غيرهما فيه مما لم يعلم إن طالت إقامته ، .

[ ص: 168 ] وإذا علمه بين أنه به ووصفه أو أراه له ولم يجمله . .

التالي السابق


( ومنع منه ) أي رد المبيع بعيبه القديم ( بيع حاكم ) على مدين مفلس أو ميت أو غائب لتوفية دينه أو غانمين لقسمة ثمنه بينهم ( و ) بيع ( وارث ) لقضاء دين على مورثه الميت أو تنفيذ وصيته ، ومفعول بيع المضاف لفاعله قوله ( رقيقا ) وقوله ( فقط ) راجع لحاكم ووارث أي لا غيرهما وللرقيق أي لا غيره .

ابن عرفة وعلى اعتبار بيع الميراث ففي كونه ما بيع منه لقضاء دين فقط أو وما بيع لقسم الورثة قولان للباجي وعياض عن غيره ( بين ) بفتحات مثقلا ( أنه ) أي الرقيق ( إرث ) . البناني ظاهره أنه شرط في الوارث فقط كالمدونة ونصبها وبيع السلطان الرقيق في الديون والمغنم وغيره بيع براءة ، وإن لم يشترط البراءة ، وكذا بيع الميراث في الرقيق إذ ذكر أنه ميراث وإن لم يذكر البراءة . ا هـ . فظاهرها أن بيع الحاكم بيع براءة مطلقا وإن لم يعلم المشتري أنه حاكم ، بخلاف بيع الوارث ، وفرق بينهما بأن الحاكم لا يكاد يخفى [ ص: 166 ] لكن يعكر على حمل المصنف هذا قوله بعد وخير ومشتر ظنه غيرهما إذا ثبت للمشتري من الحاكم التخيير عند جهله أنه حاكم ، فلو أراد ظاهرها لقال وخير مشتر لم يعلم وكان خاصا بالوارث ، وبقي قوله ومنع منه بيع حاكم على إطلاقه ، ولذا حمل " ق " وغيره كلامه على قول ابن المواز ، ونصه قال مالك " رضي الله عنه " : بيع الميراث وبيع السلطان بيع براءة إلا أن يكون المشتري لم يعلم أنه بيع ميراث أو سلطان فيخير بين أن يرد أو يحبس بلا عهدة .

ابن يونس هذا أحسن من قول ابن حبيب أنه بيع براءة وإن لم يذكر متوليه أنه بيع ميراث أو مفلس . ا هـ . فهذا هو الذي اعتمد المصنف بدليل قوله ظنه غيرهما ، وبه تبين لك أن قول المصنف بين أنه إرث مراده به ما يشمل حقيقة البيان وحصول العلم للمشتري من غيرهما ، إذ المراد حصول العلم وعليه المدار كما صرح به في التنبيهات ، وأن هذا القيد محذوف من الأول لدلالة الثاني عليه ، وأنه لا فرق بين الحاكم وغيره فما حمله عليه تت هو الصواب ورد عج عليه غير صواب . ( تنبيهات ) الأول : شرط كون بيع الحاكم والوارث بيع براءة عدم علم الحاكم والوارث العيب ، فإن علمه وكتمه فليس بيعه بيع براءة لأنه تدليس . الثاني : مفهوم رقيقا فقط أن بيعهما غيره من عرض ودابة ليس بيع براءة ولو شرطها فلا ينفع شرطه ، وللمشتري رده بعيبه القديم إذا ظهر . الثالث : ابن عبد السلام معنى البراءة التزام المشتري في عقد البيع للبائع أنه لا يطالبه بشيء من سبب عيوب المبيع التي لم يعلمها قديمة كانت أو مشكوكا فيها . وقال ابن عرفة : البراءة ترك القيام بعيب قديم .

( وخير ) بضم الخاء المعجمة وكسر التحتية مشددة في الرد والتماسك ( مشتر ) رقيقا من حاكم أو وارث ( ظنه ) أي المشتري البائع ( غيرهما ) أي الحاكم والوارث [ ص: 167 ] وإن لم يظهر له عيب قديم . البناني وصوابه مشتر جهلهما ليشمل عدم ظنه شيئا بدليل ما تقدم عن ابن المواز ، وتنفعه دعواه جهلهما . وقال ابن حبيب : ليس له الرد لأن جهل الحكم لا يمنع من توجهه . ابن عبد السلام وهو أقرب . ( و ) منع من الرد ( تبري غيرهما ) أي الحاكم والوارث ( في ) بيع ( هـ ) أي الرقيق ( مما ) أي عيب ( لم يعلم ) هـ البائع المتبري منه فلا يرد به إن ظهر بعد الشراء ( إن طالت إقامته ) أي الرقيق عند بائعه حدت بستة أشهر ولم يطلع على عيبه ، وغلب على ظنه أنه لو كان به عيب لظهر له وجوز أن به عيبا أخفاه لأن الإنسان مجبول على إخفاء عيوبه وإظهار براءته منها ، فإن كان علمه أو لم تطل إقامته عنده فلا ينفعه تبريه من عيوبه ، ومتى ظهر فيه عيب قديم فلمشتريه رده على بائعه . ومفهوم فيه أن تبري غيرهما في غير الرقيق لا يمنع من رده وهو كذلك . والفرق بين الرقيق وغيره العقل وعدمه ، فالرقيق يمكنه كتم عيوبه لرغبته في بقائه في ملك بعض ساداته وإظهارها لكراهته في بقائه في ملك غيره وغيره ليس له عقل ، فظهور العيب فيه دليل على تدليس بائعه .

( تنبيهان ) الأول : الباجي والمازري لا يجوز التبري في القرض لأنه إن أسلف رقيقا وتبرأ من عيبه كان سلفا جر نفعا ا هـ . وأما قضاء القرض فلا وجه لمنع التبري فيه إلا إذا وقع التبري في قضائه قبل حلول أجله لتهمة ضع وتعجل ، وهي ترجع لسلف جر نفعا . والثاني : ابن عرفة لا يرد في بيع البراءة بما ظهر من عيب قديم إلا ببينة أن البائع كان عالما به ، فإن لم تكن بينة وجب حلفه ما علمه وإن لم يدع المبتاع علمه على رواية ابن حبيب ونقله عن أصحاب مالك " رضي الله عنه " . المتيطي وهو المشهور . وفي كون حلفه على البت في الظاهر ونفي العلم في الخفي أو نفي العلم مطلقا قولا ابن العطار وابن الفخار متعقبا قوله بأنه إنما يرد في البراءة بما علم .

وحكى ابن رشد الاتفاق على الثاني . [ ص: 168 ] وإذا علمه ) أي البائع عيب مبيعه حاكما كان أو وارثا أو غيرهما ( بين ) بفتحات مثقلا البائع وجوبا ( أنه ) أي العيب ( به ) أي المبيع ( ووصفه ) أي البائع العيب للمشتري وصفا شافيا بعد إعلامه به إن كان خفيا كالسرقة والإباق كاشفا حقيقته لأن منه ما يغتفر ومنه ما لا يغتفر ( أو أراه ) أي البائع العيب ( له ) أي المشتري إن كان مما يرى كقطع وكي ( ولم يجمله ) أي البائع العيب حين بيانه بأنه يذكره وحده مفصلا بأن يقول : يسرق كذا من كذا أو يأبق إلى كذا ويغيب كذا ، ثم يأتي بنفسه أو يؤتى به إذا خاف مثلا أو بلا سبب ، أو يشرب كل يوم أو كل مرة أو يزني بالإماء فقط أو بالحرائر أو مطلقا ، فإن أجمله وحده كسارق أو آبق أو شارب أو مع غيره كسارق زان وفيه أحدهما فقط فلا يكفي . البساطي نكتة تمسك بعض المعاصرين بظاهر قولهم إذا أجمل لا يفيد فقال : لا يفيد مطلقا ولو ظهر أنه سرق درهما ونازعته ، وقلت : إنه يفيد فيما يسرق عادة لا إن ظهر أنه نقب أو أتى من ذلك بالعظيم الذي لا يخطر بالبال فلا يفيد ومات ولم يرجع وأنا باق على قولي لم أرجع عنه ا هـ .

الحط ما قاله هو الظاهر الذي لا يشك فيه ، وكأنه لم يقف على نص صريح في ذلك وكلام المدونة والنوادر كالصريح فيه ، ونصها من باع بعيرا فتبرأ من دبراته فإن كانت منغلة مفسدة لم يبرأ أو إن أراه إياها حتى يذكر ما فيها من نغل وغيره ، وكذا إن تبرأ في عبد من سرقة أو إباق والمبتاع يظن إباق ليلة أو إلى مثل العوالي أو سرقة رغيف فيوجد ينقب ، أو أبق إلى مثل مصر أو الشام فلا يبرأ حتى يبين أمره . ا هـ . مفهومه أنه لو وجد يأبق ليلة أو يسرق رغيفا برئ ، وفي النوادر ومن الواضحة قال مالك " رضي الله عنه " وأصحابه ومن تبرأ من عيب منه فاحش ومنه خفيف فلا يبرأ من فاحشة حتى يصف تفاحشه من ذلك الإباق أو السرقة أو الدبرة بالبعير ومثله من تبرأ من كي أو آثار بالجسد أو من عيوب فرج فيوجد متفاحشا في ذلك كله فله الرد ، وكذلك سائر العيوب ، وذكر مثله ابن القاسم في كتاب محمد . ا هـ . وفيها وإذا تبرأ من عيوب الفرج فإن كانت مختلفة ومنها المتفاحش لم يبرأ حتى يذكر أي عيب إلا من اليسير ، فإنه [ ص: 169 ] يبرأ . ا هـ . وإن أتى بلفظ يشمل العيوب كلها كثيرة وقليلة وهو يعلم بعضها فيه كأبيعك عظما في قفة وسكرا في ماء فلا ينفعه هذا في شيء ، ففيها من أكثر في براءته ذكر أسماء العيوب لم يبرأ إلا من عيب يريه إياه ويوقفه عليه وإلا فله الرد إن شاء ا هـ . .




الخدمات العلمية