الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 144 ] وعلى ظاهر الحكم

التالي السابق


( و ) الشرط الثالث جوازه ( على ظاهر الحكم ) الشرعي أي خطاب الله تعالى المتعلق بفعل المكلف ، أي أن لا يكون فيه تهمة فساد ، واعتبر ابن القاسم الشرطين الأولين فقط وأصبغ أمرا واحدا ، وهو أن لا تتفق دعواهما على فساد مثال مستوفي الشروط الثلاثة أن يدعي عليه بعشرة حالة فينكرها أو يسكت فيصالحه عنها بثمانية معجلة ، أو بعرض حال .

ومثال ما يجوز على دعواهما ويمتنع على ظاهر الحكم أن يدعي عليه بمائة درهم حالة فينكرها أو يسكت فيصالحه على تأخيره بها أو بخمسين منها شهرا فهو جائز على دعوى كل لأن المدعي أخر المدعى عليه فقط أو أخره وأسقط عنه بعض حقه والمدعى عليه افتدى من اليمين بما التزم دفعه إذا حل الأجل ، ويمتنع على ظاهر الحكم لأنه سلف جر منفعة ، فالسلف التأخير ، والمنفعة سقوط اليمين المنقلبة على المدعي بتقدير نكول المدعى عليه ، أو حفظ الحق عن السقوط بحلف المدعى عليه فهذا ممنوع عند الإمام وجائز عند ابن القاسم وأصبغ .

ومثال ما يمتنع على دعواهما أن يدعي عليه بدراهم وطعام من بيع فيعترف بالطعام وينكر الدراهم فيصالحه بطعام مؤجل أكثر من طعامه ، أو يعترف بالدراهم ويصالحه بدنانير مؤجلة أو بدراهم أكثر من دراهمه ، فحكى ابن رشد الاتفاق على فساده وفسخه لأنه سلف بزيادة أو صرف مؤخر . [ ص: 145 ]

ومثال ما يمتنع على دعوى المدعي وحده أن يدعي عليه بعشرة دنانير فينكرها ثم يصالحه بمائة درهم مؤجلة فيمتنع على دعوى المدعي لأنه صرف مؤخر ، ويجوز على دعوى المدعى عليه لأنه إنما افتدى من اليمين فهذا ممتنع عند مالك وابن القاسم ، وجائز عند أصبغ ، إذ لم تتفق دعواهما على فساد .

ومثال الممتنع على دعوى المدعى عليه وحده أن يدعي عليه بعشرة أرادب قمح من قرض ، وقال المدعى عليه من سلم وأراد أن يصالحه بدراهم ونحوها معجلة فهذا جائز على دعوى المدعي وممتنع على دعوى المدعى عليه فيمتنع عند مالك وابن القاسم رضي الله تعالى عنهما ، ويجوز عند أصبغ أفاده عب . البناني قول أي الشرعي وهو خطاب الله تعالى إلخ لا معنى له ، إذ لا اطلاع لنا عليه ، وعلى تسليمه فإن فرضناه الجواز صار المعنى إن جاز على ظاهر الجواز ، ولا معنى له ، وإن فرض غيره فلا معنى له أيضا إذ لا يكون الجواز على ظاهر المنع مثلا ، فالظاهر أن المراد بالحكم ما يطرأ بينهما في المخاصمة ومجلس الفصل .

وقوله مثال ما يمتنع على دعواهما . . . إلخ طفي انظر ذكرهم في المثل الإقرار المختلط بالإنكار مع أنه لا يجوز على دعوى كل منهما فأحرى على ظاهر الحكم ، فالصواب الاقتصار في التمثيل على ما يجوز على دعوى أحدهما دون الآخر ، وهو الإنكار المحض ، إذ هو محل الخلاف ، ثم استدل بقول عياض بعد ذكر الخلاف بين مالك وابن القاسم ما نصه وحكم السكوت حكم الإقرار على قوليهما جميعا ، فما وقع من صلح حرام على الإقرار أو السكوت يفسخ على كل حال كالبيع وكذا ما وقع من صلح حرام في صلح الإقرار المختلط بالإنكار فيصالحه عما لو انفرد به الإقرار لم يجز ، كمن ادعى على رجل بطعام من بيع ودراهم فاعترف بالطعام وأنكر الدراهم فصالحه بطعام أكثر من طعامه لأجل ، أو اعترف بالدراهم فصالحه بدنانير مؤجلة أو دراهم أكثر من دراهمه لأجل ، فكل واحد منهم مصالح بحرام ، إذ الحرام فيما حصل فيه إقرارهما قاله بعض شيوخنا وهو مما لم يختلف فيه لأن الحرام وقع في حقهما جميعا ، وإنما اختلف إذا كان [ ص: 146 ] توقع الفساد في حق أحدهما فقط وذلك في الصلح على الإنكار المحض . ا هـ . فالصلح في الإنكار المختلط بالإقرار فيما ذكر وقع فيما وقع فيه الإقرار فهو كالصلح في الإقرار المحض ا هـ .

البناني فيه نظر ، أما أولا فإن من صور الإقرار المختلط بالإنكار ما يجوز على دعوى أحدهما دون الآخر كالمثال الأخير عند " ز " ، فلا وجه لقصر الخلاف على صور الإنكار المحض ، وأما ثانيا فإن ما زعمه من أن الصواب الاقتصار في التمثيل على محل الخلاف ليس بصواب لأن المصنف لم يذكر خلافا ، وإنما ذكر شروط الجواز فاقتضى مفهومها صور الأبد من التمثيل لها ، منها ما هو محل خلاف ، ومنها ما هو محل اتفاق ، ولا يقال الصلح على الإقرار المختلط بالإنكار كالصلح على الإقرار المحض فلا يندرج هنا ، لأنا نقول لما كان المقر به في هذا غير المدعي به ، وأمكن جوازه على دعوى أحدهما دون الآخر ، كذلك أدرجوه في صلح الإنكار وجعلوا فيه شروطه بخلاف الإقرار المحض فلا يمكن فيه الجواز على دعوى أحدهما فقط والله أعلم .




الخدمات العلمية