الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وحلف المتهم ، [ ص: 38 - 39 ] ولم يفده شرط نفيها ، فإن نكل : حلفت

التالي السابق


( وحلف ) المودع بالفتح ( المتهم ) بفتح الهاء أي بالتساهل في حفظ الوديعة إذا ادعى ردها حيث تقبل منه ، أو ادعى عدم العلم بالرد أو الضياع . وظاهر كلام المصنف أن غير المتهم لا يحلف والمنقول أنه يحلف في دعوى الرد بلا نزاع لأنه تحقق عليه الدعوى وفي دعوى التلف أو الضياع مشهورها يحلف المتهم دون غيره ، ويحتمل أن هذا مراد المصنف لتعيبه به ، لكنه على هذا يفوته حكم اليمين في دعوى الرد قاله البساطي . تت فيه [ ص: 38 ] نظر ، بل حلف المتهم متفق عليه في دعوى الرد ، وفي دعوى التلف على المشهور ، وقول الشارح في الوسط دعوى الرد موضع الخلاف والتلف موضوع الاتفاق سبق قلم ، ولذا أصلح في بعض نسخه .

طفى ليس المراد به من شأنه التساهل في حفظ الوديعة ، بل الذي لم تحقق عليه الدعوى ، وليس إلا مجرد التهمة مع كونه غير معروف بالخير والصلاح ، وقوله وفيه نظر ، بل حلف المتهم متفق عليه إلى آخر ما قاله البساطي هو الصواب لحكاية صاحب البيان وابن عرفة وغيرهما الاتفاق على الحلف في دعوى الرد ، وأطلقوا سواء كان متهما أم لا ، واعترضت عبارة ابن الحاجب وبينه في التوضيح . " ق " فيها لمالك " رضي الله عنه " لو قبضه أي الوديعة أو القراض ببينة فقال ضاع مني صدق أراد ولا يمين عليه إلا أن يتهم فيحلف أبو محمد وقال أصحاب مالك رضي الله عنهم . ابن عبد الحكم وإن نكل المتهم عن اليمين ضمن ولا ترد اليمين هاهنا .

ابن يونس الفرق بين دعوى الرد ودعواه الضياع على أحد القولين أن رب الوديعة في دعوى الرد يدعي يقينا أنه كاذب فيحلف متهما كان أو غير متهم . وفي دعوى الضياع لا علم له بحقيقة دعواه ، وإنما هو معلوم من جهة المودع فلا يحلف إلا إذا كان متهما ، وهذا هو الصواب . " ح " هذا إذا ادعى التلف ولم يحقق ربها عليه الدعوى أنها باقية ، ثم قال فإن نكل غرم ولا ترد اليمين ، وأما في دعوى الرد فيحلف باتفاق . ابن عرفة وحيث قبل قوله في الرد فلا خلاف أنه بيمين ، واعترض على ابن الحاجب في حكايته الخلاف في ذلك وباشتمال كتابه على مثل هذا كان محققو شيوخنا ينكرون كتاب ابن الحاجب [ ص: 39 ] الفقهي والله أعلم .

( و ) إن شرط المودع بالفتح حين الإيداع أنه يصدق في دعوى الرد أو التلف بلا يمين ( لم يفده ) أي المودع بالفتح ( شرط نفيها ) أي اليمين . " ق " فيها من دفعت له مالا ليدفعه لرجل لم يبرأ إلا ببينة . عبد الحق ولو شرط أن لا يمين عليه لم ينفعه شرطه لأن اليمين إنما ينظر فيها حين توجهها فكأنه شرط إسقاط أمر لم يكن بعد ، بخلاف شرطه دفعه بلا بينة ، فلا يضمن إذا لم تقم له بينة . ابن عرفة انظر هذا مع القول بالوفاء بشرط التصديق في دعوى عدم القضاء . " ق " وعلى هذا فرب الوديعة يدعي يقينا كما تقدم لابن يونس ، فقد تبين بهذا أن قوله ولم يفده شرط نفيها ليس راجعا لقوله ، وحلف المتهم ، وقد تقدمت الإشارة لهذا عند قوله أو المرسل إليه المنكر وتلزمه فإن حلف صدق ف ( إن نكل ) المتهم عن اليمين ( حلفت ) يا مودع بالكسر أنها باقية عند المودع ويغرمها لك المتهم على المشهور قاله تت . [ ص: 40 ] ق " هذا مخالف لنقل ابن يونس عن ابن عبد الحكم إن نكل المتهم فلا ترد اليمين وما نقل غيره . وقال ابن رشد الأظهر أن تلحق اليمين إذا قويت التهمة وتسقط إذا ضعفت وأن لا ترجع إذا لحقت انظر ابن عرفة ، ونصه وفيها مع غيرها دعوى قابضيها بغير بينة ردها مقبولة مع يمينه . اللخمي يحلف ولو مأمونا لدعوى ربها عليه التحقيق أنه لم يردها إلا أن تطول المدة بما يعلم أن المودع لا يستغني عنها فيه لما علم من قلة ذات يده أو تمر عليه عشرة فتضعف اليمين إن كان المودع عدلا ، ونقل ابن الحاجب عدم حلفه مطلقا لا أعرفه ، ولو صح كانت الأقوال ثلاثة هو واختيار اللخمي ومنصوص المذهب ودعواه ضياعها فيها مع غيرها مقبولة ولو قبضها ببينة وفي لزوم حلفه ، ثالثها إن كان متهما ثم قال وقول ابن الحاجب المتهم يحلف باتفاق خلاف نقل اللخمي عدم حلفه مطلقا ، قال لأنه أمنه ، ولما حكى الأول قال إلا أن يبين رجل بالصلاح والخير . وعبر عن الثالث بقوله وقيل يحلف إلا أن يكون عدلا .

الشيخ عن ابن عبد الحكم إن نكل ضمن ولا ترد اليمين هنا على ربها ولابن زرقون اختلف في تعلق اليمين بمجرد التهمة ، ففي تضمين الصناع والشركة تعلقها ، وهو قول ابن القاسم في غيرها . أشهب لا تتعلق . قلت في آخر كلام ابن رشد في أجوبته الأظهر أن تلحق إذا قويت التهمة وتسقط إذا ضعفت وأن لا ترجع إذا لحقت . وفي سماع عيسى أن اليمين ترد في التهمة ، والخلاف في ردها وفي لحوقها ابتداء مشهور . ابن الحاجب وفي يمينه ثالثها المشهور يحلف المودع وقرره ابن عبد السلام وغيره بأن الأول أنه يحلف ولا يغرم ، والثاني أنه يغرم بنكوله دون حلف رب الوديعة ، والثالث أنه لا يغرم حتى رب الوديعة .

قلت وجود الأقوال الثلاثة في دعوى التلف واضح ، الأول بناء على عدم توجه يمين التهمة والثاني على توجهها وعدم انقلابها ، والثالث على انقلابها . وأما في دعوى الرد فقد تقدم تحقيق المذهب في ذلك ، وحيث يقبل قوله لا خلافا أنه بيمين ولا في انقلابها إن نكل . وظاهر كلام ابن الحاجب أن في حلفه في دعوى الرد قولين أشهرهما حلفه ، وأنه [ ص: 41 ] إن نكل ففي غرمه دون حلف رب الوديعة قولان . وقول ابن عبد السلام في شرح العبارة التي ذكرها ابن الحاجب ، وهذا الخلاف موجود في يمين التهمة ، ظاهره قبولها وقول ابن هارون في نقل ابن الحاجب هذا الخلاف في دعوى الرد مما انفرد به أصوب ، وباشتمال كتابه على مثل هذا كان محققو شيوخنا ينكرون كتاب ابن الحاجب الفقهي والله أعلم .




الخدمات العلمية