الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وإن قال . أكريتك للمدينة بمائة و بلغاها ، وقال : بل لمكة بأقل ، فإن نقده فالقول للجمال فيما يشبه وحلفا [ ص: 54 ] وفسخ ، وإن لم ينتقد . فللجمال في المسافة ، وللمكتري في حصتها مما ذكر بعد يمينهما ، وإن أشبه قول المكري فقط .

فالقول له بيمين ، وإن أقاما بينة . قضي بأعدلهما ، وإلا سقطتا

التالي السابق


( وإن ) اختلفا في المسافة والأجرة معا بأن ( قال ) الجمال ( أكريتك للمدينة ) المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام ( بمائة وبلغاها ) المتكاريان المدينة ( وقال ) المكتري ( بل ) أكريتني ( لمكة ) المشرفة ( بأقل ) من المائة كخمسين ( فإن ) كان ( نقده ) أي المكري المكتري الخمسين ( فالقول للجمال فيما يشبه ) لتقوى دعواه بالانتقاد والشبه ، وأراد مع شبه المكتري بدليل قوله ( وحلفا ) أي الجمال والمكتري وقوله [ ص: 54 ] الآتي وإن أشبه المكري فقط فالقول له بيمين ( و ) إذا حلفا ( فسخ ) الكراء فيما بقي ، وكذا إن نكلا ، وإن نكل أحدهما قضي عليه للحالف وإن لم يشبها حلفا وفسخ الكراء المثل فيما مشى ، وسكت عنه لوضوحه ولدلالة ما مر عليه .

( وإن لم ينقد ) المكتري المكري شيئا من الكراء ( فالقول للجمال في ) قدر ( المسافة ) أنها للمدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلوات وأزكى التسليمات ( و ) القول ( لمكتري حصتها ) أي المسافة ( مما ذكره ) المكتري من الكراء ككونه خمسين ( بعد يمينيهما ) على ما ادعياه فلا يقبل قول المكري أنها للمدينة بمائة ، ولا قول المكتري أنها لمكة بخمسين ; لأن بلوغ المسافة رجح قول المكري وعدم الانتقاد رجح قول المكتري ( وإن أشبه قول المكري فقط ) أي دون المكتري ( فالقول له ) أي المكري ( بيمين ) فيأخذ المائة التي حلف عليها .

( وإن أقاما ) أي المكري والمكتري ( بينة ) أي جنسها الصادق ببينتين بينة شهدت للمكري وبينة شهدت للمكتري ( قضي ) بضم فكسر ( بأعدلهما ) أي البينتين ، سواء كانت بينة المكري أو المكتري ( وإلا ) أي وإن لم تكن إحداهما أعدل من الأخرى وتساوتا في العدالة ( سقطتا ) أي البينتان ، وصارا كمن لا بينة لهما . فيها لابن القاسم رحمه الله تعالى لو قال المكري أكريتك إلى المدينة بمائتين وقد بلغاها ، وقال المكتري بل إلى مكة بمائة فإن كان نقده المائة فالقول قول الجمال فيما يشبه . ابن يونس معناه إذا أشبه ما قالاه جميعا . ابن القاسم ويحلف له المكتري في المائة الثانية ويحلف الجمال أنه لم يكره إلى مكة بمائة ويتفاسخان .

ابن القاسم وإن لم ينقده صدق الجمال في المسافة وصدق المكتري في حصتها من الكراء الذي يذكر بعد أيمانهما ، ويفض الكراء على ما يدعي المكتري ، وإن أقاما بينة قضي [ ص: 55 ] بأعدلهما ، وإن تكافأتا سقطتا . الحط اختلافهما في المسألة الأولى في المسافة فقط ، واختلافهما في هذه في المسافة وقدر الكراء وقد اختصر الكلام فيها تبعا للمدونة ، فلم يذكر حكم اختلافهما قبل الركوب أو بعد سير يسير أو بعد ركوب كثير اعتمادا على ما تقدم في التي قبلها ، فإن الحكم فيها في اختلافهما قبل الركوب أو بعد سير يسير التحالف والتفاسخ كما تقدم ، وبعد الركوب الكثير كحكمه بعد بلوغ الغاية التي ادعاها المكري ، فقوله فإن نقده فالقول للجمال فيما يشبه وحلفا وفسخ ، يعني إذا اختلفا بعد بلوغ المدينة أو بعد سير كثير ، فإن كان بعد انتقاد الجمال فالقول قوله فيما يشبه ; لأنه ائتمنه ويحلف المكتري له في المائة الثانية والجمال أنه لم يكره إلى مكة بمائة ويتفاسخان ، ثم قال وبقي وجه لم يتكلم عليه المصنف ، وهو ما إذا لم يشبه قول واحد منهما والحكم فيه حلفهما ، وللمكري كراء مثله في المسافة المتفق عليها بالغا ما بلغ ، ومن نكل منهما قبل عليه قول من حلف ، والله أعلم ، وإن اختلفا فيمن يبدأ باليمين اقترعا قاله أبو الحسن . ( تنبيهات )

الأول : ذكر قوله وإن أقاما بينة إلخ ، وإن كان من تعارض البينتين لينبه على قول غير ابن القاسم في المدينة بقبول بينة كل منهما إذا كانت عدلة ; لأن كل واحد منهما ادعى فضلة أقام عليها بينة فيقضى بأبعد المسافتين وأكثر الكراءين جمعا بين البينتين ، سواء انتقد أم لم ينتقد .

الثاني : فيها إن طلب الجمال نقد الكراء قبل الركوب أو بعد السير القريب فامتنع المكتري منه حملا على سنة الناس في نقد الكراء أو تأخيره ، فإن لم يكن لهم سنة فكالسكنى في أنه لا يعطيه إلا بقدر ما مضى من المنفعة وإن عجل الكراء بلا شرط فلا رجوع له فيه ، فإن طلب أحدهما نقد بلد الغاية والآخر نقد بلد العقد قضي بينهما بنقد بلد العقد .

الثالث : أبو الحسن يقال للجمال مثلا كري ومكار ومكر وللراكب مكتر ومتكار وجمع المكري مكرون ، والكري أكرياء والمكتري مكترون .




الخدمات العلمية