الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 438 ] وقدح في المتوسط بكل ، وفي المبرز بعداوة وقرابة ، وإن بدونه : كغيرهما على المختار ; [ ص: 439 ] وزوال العداوة والفسق ; بما يغلب على الظن بلا حد

التالي السابق


( وقدح ) بضم فكسر ، أي قبل القدح والتجريح ( في ) الشاهد ( المتوسط ) في العدالة وأولى من هو أدنى منه ، أو المراد به مقابل المبرز فيشملهما ( بكل ) من القوادح السابقة . اللخمي يسمع القدح في الرجل المتوسط العدالة مطلقا ( و ) قدح ( في ) الشاهد ( المبرز ) بضم الميم وفتح الموحدة وكسر الراء مشددة ، أي الظاهر العدالة الزائد فيها على أمثاله ( بعداوة ) دنيوية بينه وبين المشهود عليه ( وقرابة ) أكيدة بينه وبين المشهود له ، ومفهومه أنه لا يقبل القدح فيه بغيرهما من تسفيه وتفسيق ، وأما بجلب النفع ودفع الضرر والتعصب فيسمع كالعداوة والقرابة ويقبل التجريح في الشاهد بمثله أو أعلى منه في العدالة ، بل ( وإن بدونه ) أي الشاهد في العدالة . وشبه في قبول القدح في المبرز فقال ( كغيرهما ) أي العداوة والقرابة فيقبل القدح به في المبرز ( على المختار ) اللخمي من الخلاف وهو قول مطرف وابن الماجشون ، [ ص: 439 ] واختاره ابن عبد السلام أيضا ; لأن شأن الإنسان إخفاء جرحه وكتمه عن الناس ; لأنه مجبول على تكميل نفسه فلا يكاد يطلع عليه إلا بعض الناس وهي شهادة يؤديها مثل سائر الشهادات . عج هذا هو المعتمد . اللقاني هذا ضعيف والمعتمد الأول ، وهذا هو ظاهر صنيع المصنف . طفى والبناني لو زاد وشبههما كما فعل ابن شاس وابن الحاجب وغير واحد لكان أحسن ، والمراد به ما عدا الأسفاه أي الفسق ، إذ هو المختلف فيه وفيه فقط اختيار اللخمي .

( وزوال العداوة ) الدنيوية بين الشاهد والمشهود عليه بقرائن وأحوال توجب غلبة الظن بزوالها كرجوعهما إلى ما كانا عليه قبلها ( و ) زوال ( الفسق ) ممن اتصف به يكون ( بما ) أي أمارات وعلامات ( يغلب ) زواله ( على الظن ) بحصولها كتوبته وملازمتها وظهور أمارات الصلاح عليه ( بلا حد ) بفتح الحاء المهملة وشد الدال ، أي تحديد للزمن الذي يحصل الزوال فيه ، وقيل يحد بسنة ، وقيل بنصفها ، وأنكرهما ابن عرفة لكثرة اختلاف أحوال الناس في زوالهما فمنهم من لا يطلع على باطنه على طول الزمان ، ومخالطة الحذاق بظواهر حتى يظن صالحا أو حبيبا وهو في باطنه بخلاف ظاهره ، ينتظر غفلة يتمكن فيها من إظهار ما في باطنه والعمل بمقتضاه ، ومنهم من هو بخلافه ، فلذلك اعتبرت القرائن والأحوال لا مجرد طول الزمان . ابن عرفة جرحة الفسق تزول بالتوبة الشرعية وهي مستوفاة في فن الكلام الذي هو أصل الفقه .

المازري لا تقبل شهادته بمجرد قوله تبت ، إنما تقبل بدلالة حاله والقرائن على صدقه مع اتصافة بصفات العدالة ولا توقيت في ذلك ووقته بعض العلماء والتحقيق ما قلناه . قلت للشيخ في المجموعة عن ابن كنانة من كان يعرف بالصلاح لمعرفة توبته من قذف بطول ليس كمن كان معلنا بالسوء ; لأن من عرف بالخير لا يتبين تزيده فيه إلا بالترداد عليه . وقول ابن الحاجب وقيل لا بد من مضي ستة أشهر ، ظاهره في المذهب وليس كذلك . وفي الرجم منها مع المجموعة عن ابن القاسم وأشهب لا ترد شهادة القاذف حتى يجلد وقاله [ ص: 440 ] سحنون . وقال عبد الملك بقذفه سقطت شهادته وثبوت توبته يوجب قبولها المازري المعتبر في توبته ما تقدم في غيره ، فإن كان قبل قذفه عدلا صالحا كانت توبته بزيادة درجته في الصلاح على ما كان عليه .

قلت هذا إن كان حده بقذفه جرأة أو سبا أو غضبا ولو كان ذلك بانقلاب شهادته قذفا لرجوع أحد الثلاثة الشاهدين معه أو اختلافه في وصف الزنا ، فأظهر عدم اعتبار زيادة صلاحه وفي شرط توبته بتكذيبه نفسه في قذفه نقل المازري عن القاضي إسماعيل وقول مالك " رضي الله عنه " في سرقتها لواحد نصراني في قذف ثم أسلم بالقرب قبلت شهادته فلم يقيدها الصقلي . وفي مختصر الشيخ عن سحنون يتوقف في شهادته حتى يعلم صلاحه . ابن الحاجب زوال العداوة كالفسق . قلت لا أعرف هذا لغيره ، وتقدم سماع أشهب في الرجلين يختصمان ثم يشهد أحدهما على صاحبه بعد سنين قال إن صار أمرهما إلى سلامة وصلح فذلك جائز . ابن رشد سلامة أمرهما إلى صلح هو أن يرجعا إلى ما كانا عليه قبل الخصومة ، ومثله في سماع سحنون ونوازل أصبغ وفي إجرائها . ابن الحاجب على زوال الفسق نظر ; لأن ثبوت عدالة الشاهد شرط في قبول شهادته فنظر القاضي في ثبوتها ضروري وهو مستلزم لرفع فسقه أو بقائه ، وأما العداوة فلا نظر للقاضي في رفعها ; لأنها مانع يبديه المشهود عليه ، فإن أثبتها ثم شهد عليه بعد ذلك احتمل النظر في تكليفه إثباتها ثانيا لاحتمال بقائها والأظهر تخريجها على حكم من عدل في شهادته ثم شهد شهادة أخرى هل تستصحب عدالته أو يستأنف إثباتها ؟ . تت عن بعضها إنما يتم الفرق المذكور إذا لم يثبت المانع أما مع ثبوته فلا يسوغ للحاكم الحكم إلا أن يثبت رفعه وليس شكا في المانع ، بل في رافعه وعلى هذا فما في سماع أشهب وسحنون ونوازل أصبغ شاهد لابن الحاجب والمصنف ، والله أعلم .




الخدمات العلمية