الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وإن فقأ أعور من سالم مماثلته ، فله القصاص أو دية ما ترك [ ص: 59 - 60 ] وغيرها فنصف دية فقط في ماله

التالي السابق


( وإن فقأ ) شخص ( أعور من ) شخص ( سالم ) أي صحيح العينين عينا ( مماثلة ) للعين السالمة ل ( هـ ) أي الأعور ( فله ) أي المجني عليه ( القصاص ) بفقء عين الأعور السالمة فيصير أعمى ( أو دية ما ) أي عين الأعور السالمة التي ( ترك ) المجني عليها فقأها ألف دينار مثلا فالخيار للمجني عليه لا للجاني . ابن عرفة للإمام مالك " رضي الله عنه " إن فقأ الأعور عين الصحيح التي مثلها باقية للأعور فله أن يقتص ، وإن أحب فله أخذ دية عينه ، ثم رجع فقال إن أحب اقتص ، وإن أحب فله دية عين الأعور ألف دينار ، وهذا أحب إلي .

عياض خرج بعضهم منها قولا بالتخيير في أخذ دية جرح العمد وهو قول ابن عبد الحكم خلاف مشهور قول مالك وأصحابه بوجوب القود أو ما اصطلح عليه ، ويخرج [ ص: 59 ] منها جبر القاتل على الدية مثل قول أشهب خلاف معروف روايته ، وترجح بعضهم في هذا .

وقال أبو عمران إنما قاله لعدم تساوي عين الأعور وإحدى عيني الصحيح ، فلم يمنعه القصاص ، إذ هي مثل عينه في الصورة ، فإن عدل عن القصاص إلى الدية فليس للأعور أن يأبى ذلك ، لأنه دعوى الصواب . عياض هذا غير بين ، ويلزمه فيه الجبر على الدية ، وخرج منها بعض شيوخنا أن للولي إذا كثر القاتلون أن يلزم كل واحد منهم دية كاملة عن نفسه قدر ديته أو من أراد استحياء منهم ويقتل من شاء ، وكذا في قطع جماعة يد رجل . عياض هذا لازم لأبي عمران على تعليله في زيادة المثلية ، لأن جماعة أنفس زيادة على نفس على كل حال . قيل لأبي عمران لو تعدى رجل على الجاني ففقأ عينه فقال المفقوءة عينه أولا للجاني على من جنى عليه أنت أتلفت عينا كنت أستحق فقأها أو ألف دينار عنها فاغرم لي قيمة ما أتلفت علي لأن ديتها كثمن متواطأ عليه في سلعة استهلكت . قال في هذا نظر ، وأشار إلى تنظيرها برهن في ألف دينار قيمته مائة دينار استهلك ، فإنه يلزمه قيمته دون ما رهن فيه . قيل له الأعور كان مجبورا على افتكاك عينه بالألف ، وليس الراهن كذلك ، إذ ليس مجبورا على افتكاكه ، إذ له إسلامه . قال أرأيت لو كان الجاني عديما لجبر على الألف فترجح فيها ، وقال انظر لو قال المجني عليه كان لي أن أتبع الأعور بالألف عليه ، ومسألة المدونة هي سماع عيسى ابن القاسم .

قول مالك يخير الصحيح في القود وأخذ دية عينه خمسمائة دينار ، ثم رجع فقال يخير في القود وأخذ دية عين الأعور ألف دينار . ابن القاسم قوله الآخر أحب إلي وأحسن ما سمعت أنه ليس له إلا القود من عين الأعور إلا أن يصطلحا على أمر ، فإن اصطلحا على الدية مبهمة فإنما له عقل التي فقئت خمسمائة دينار ثم رجع ابن القاسم إلى تخييره في فقء عين الأعور أو ديتها ألف دينار . ابن رشد قول مالك الأول على القول بأن للولي جبر القاتل على الدية ، وهو قول أشهب وأحد قولي مالك ، وقوله الأخير الذي قال ابن القاسم [ ص: 60 ] أنه أحسن ما سمعت قياسا على أصل مذهبه وروايته أنه ليس للولي جبر القاتل .

( وإن فقأ ) الأعور من السالم ( غيرها ) أي غير مماثلته بأن فقأ منه مثل العوراء عمدا عدوانا ( فنصف دية فقط ) يلزم الجاني ( في ماله ) وليس للمجني عليه القصاص ، وفيها إن فقأ أعور اليمنى يمنى صحيح خطأ فعلى عاقلته نصف الدية ، وإن فقأها عمدا فعليه خمسمائة دينار في ماله ولا يقاد من يد أو يمين أو سن إلا بمثلها




الخدمات العلمية