الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ويعفى ) في الثوب والبدن ( عن قليل دم البراغيث ) والقمل والبق ( وونيم الذباب ) وكل ما لا نفس له سائلة وعن قليل بول الخفاش . والقياس أن روثه وبول الذباب كذلك كما أفاده الشيخ رحمه الله تعالى ، إذ كل ذلك مما تعم به البلوى ويعسر الاحتراز عنه . والبق هو البعوض قاله في الصحاح ، والظاهر كما قاله الشيخ شموله للبق المعروف ببلادنا ( والأصح ) أنه [ ص: 30 ] ( لا يعفى عن كثيره ) لندرته وعدم مشقة الاحتراز عنه ( ولا ) عن ( قليل انتشر بعرق ) لمجاوزته محله .

                                                                                                                            ( وتعرف الكثرة ) وضدها ( بالعادة الغالبة ) فما يغلب عادة التلطخ به ، ويعسر الاحتراز عنه عادة قليل ، وما زاد عليه كثير ، ويختلف ذلك باختلاف الأوقات والبلاد ، ولا يبعد جريان ضابط طين الشارع هنا ، ولو شك في شيء أقليل هو أم كثير فله حكم القليل ; لأن الأصل في هذه النجاسات الآتية العفو إلا إذا تيقنا الكثرة ، والثاني العفو عنهما ; لأن الغالب في هذا الجنس عسر الاحتراز فيلحق غير الغالب منه بالغالب ، كالمسافر يترخص ، وإن لم تنله مشقة لا سيما والتمييز بين القليل والكثير كما يوجب المشقة لكثرة البلوى به ولهذا رجحه فقال ( قلت : الأصح عند المحققين العفو مطلقا ، والله أعلم ) قليلا أم كثيرا انتشر بعرق أم لا تفاحش ، وغلب على الثوب أم لا خلافا للأذرعي . وسواء أقصر كمه أم زاد على الأصابع خلافا للإسنوي .

                                                                                                                            والأوجه أن دم البراغيث الحاصل على حصر نحو المسجد ممن ينام عليها كذرق الطيور خلافا لابن العماد ، ومحل ذلك في ثوب ملبوس أصابه الدم من غير تعد ، فلو كانت الإصابة بفعله قصدا كأن قتلها في ثوبه [ ص: 31 ] أو بدنه أو حمل ثوب نحو براغيث وصلى فيه أو فرشه وصلى عليه أو كان زائدا على ملبوسه لا لغرض من تجمل ونحوه لم يعف إلا عن القليل كما في التحقيق والمجموع وغيرهما . ولو نام في ثوبه فكثر فيه دم البراغيث التحق بما يقتله منها عمدا لمخالفته السنة من العري عند النوم ، ذكره ابن العماد بحثا ، وهو محمول على عدم احتياجه للنوم فيه ، وإلا عفي عنه ، ثم محل العفو هنا ، وفي نظائره الآتية بالنسبة للصلاة .

                                                                                                                            فلو وقع المتلوث بذلك في ماء قليل نجسه ، ولا فرق في العفو بين البدن الجاف والرطب ، وهو ظاهر بالنسبة للرطوبة الحاصلة من عرق ونحو ماء وضوء وغسل وحلق أو ما يتساقط من الماء حال شربه أو من الطعام حال أكله أو بصاق في ثوبه أو مماس آلة نحو فصاد من ريق أو دهن وسائر ما احتيج إليه وغير ذلك مما لا يشق الاحتراز عنه ، ولا يكلف تنشيف البدن لعسره خلافا لابن العماد ( ودم البثرات ) بالمثلثة خراج صغير ( كالبراغيث ) فيعفى عن قليله وكثيره ، وإن كثر وانتشر ; لأنه من جنس ما يتعذر الاحتراز عنه فألحق نادره بغالبه كما مر ما لم يكن بفعله ، وإلا فالعفو خاص حينئذ بالقليل ( وقيل إن عصره فلا يعفى عنه ) للاستغناء عنه وحصوله بفعله ، وظاهر عبارة المصنف أن الأصح العفو عنه مع العصر ولو [ ص: 32 ] كان كثيرا ، وهو ما اقتضاه كلام الروضة وأصلها وليس كذلك كما يعلم مما مر .

                                                                                                                            ( والدماميل والقروح وموضع الفصد والحجامة قيل كالبثرات ) فيعفى عن دمها ، وإن كثر على ما مر ; لأنها ، وإن لم تكن غالبة ليست نادرة ( والأصح ) عند الرافعي أنها ليست مثلها ; لأنها لا تكثر كثرتها بل يقال في جزئيات دمها ( إن كان مثله يدوم غالبا فكالاستحاضة ) أي كدمها فيلزمه الاحتياط حسب الإمكان بأن يزيل ما أصابه منه ويعصب محل خروجه عند إرادته الصلاة كما مر نظيره في المستحاضة ، ويعفى بعد الاحتياط عما يشق الاحتراز عنه ولو من دم استحاضة ، وإن لم يعف عن شيء من دم المنافذ كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ( وإلا ) بأن كان مثله لا يدوم غالبا ( فكدم الأجنبي ) يصيبه ( فلا يعفى ) عنه أي عن شيء من المشبه والمشبه به ، وجعله بعض الشروح راجعا للأول وحده وبعضهم للثاني وحده وما قلناه أفيد .

                                                                                                                            ( وقيل يعفى عن قليله ) كما قيل به في دم الأجنبي ( قلت : الأصح أنها ) أي دم الدماميل والقروح وموضع الفصد والحجامة ( كالبثرات ) فعفي عن قليلها وكثيرها ما لم يكن بفعل أو يجاوز محله . وحاصل ما في الدماء أنه يعفى عن قليلها ولو من أجنبي غير نحو كلب ، وكثيرها من نفسه ما لم يكن بفعله أو يجاوز محله فيعفى حينئذ عن قليلها فقط . وما وقع في التحقيق والمجموع في دم البثرات ونحوها من كونه كدم الأجنبي محمول على ما حصل بفعله أو انتقل عن محله .

                                                                                                                            وقضية قول الروضة لو خرج من جرحه دم متدفق ، ولم يلوث بشرته لم تبطل صلاته أنه إذا لوث أبطل : أي إن كثر كما أفهمه كلام المتولي : أي وجاوز محله أخذا مما مر ( والأظهر العفو عن قليل ) دم ( الأجنبي ) [ ص: 33 ] من غير نحو كلب ولو من نفسه بأن عاد إليه بعد انفصاله عنه كما أفاده الأذرعي ( والله أعلم ) لوقوع القليل في محل المسامحة إذ جنس الدم مما يتطرق له العفو ، والقليل كما في الأم ما تعافاه الناس : أي عدوه عفوا .

                                                                                                                            والثاني لا يعفى عنه مطلقا لسهولة التحرز عنه ، وشمل قوله : قليل دم الأجنبي ما لو كان القليل متفرقا ولو جمع لكثر ، وهو الراجح : أما دم المغلظ من نحو كلب فلا يعفى عن شيء منه لغلظه كما نقله في المجموع عن البيان وأقره ، بل نقل عن نص الإمام أيضا ولو لطخ نفسه بدم أجنبي عبثا لم يعف عن شيء منه لارتكابه محرما فلا يناسبه العفو كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : وونيم الذباب ) أي روثه . انتهى منهج . [ فرع ] قرر م ر أنه لو غسل ثوبا فيه دم براغيث لأجل تنظيفه من الأوساخ : أي ولو نجسه لم يضر بقاء الدم فيه ويعفى عن إصابة هذا الماء لها فليتأمل . انتهى سم على منهج . أي أما إن قصد غسل النجاسة التي هي دم البراغيث فلا بد من إزالة أثر الدم ما لم يعسر فيعفى عن اللون على ما مر ( قوله : كذلك ) رطبا كان أو يابسا في الثوب والبدن والمكان على الأوجه ، خلافا لمن خص المكان بالجاف وعمم في الأولين ا هـ حج ( قوله : مما تعم به البلوى ويعسر الاحتراز عنه ) بل بحث العفو عن ونيم برأس كوز يمر عليه ماء قليل فلا يتنجس به ، وذلك ; لأن ذلك كله مما تعم به البلوى . ا هـ حج .

                                                                                                                            وسئل شيخنا الزيادي عما يعتاده الناس كثيرا من تسخين الخبز في الرماد النجس ثم إنهم يفتونه في اللبن ونحوه ، [ ص: 30 ] فأجاب بأنه يعفى عنه حتى مع قدرته على تسخينه في الطاهر ، ولو أصابه شيء من نحو ذلك اللبن لا يجب غسله انتهى . كذا بهامش ، وهو وجيه مرضي ، بل يعفى عن ذلك ، وإن تعلق به شيء من الرماد ، وصار مشاهدا سواء ظاهره وباطنه بأن انفتح بعضه ودخل فيه ذلك كدود الفاكهة والجبن ، ومثله الفطير الذي يدفن في النار المأخوذة من النجس ( قوله : قليلا أم كثيرا إلخ ) هل هذا خاص بما ذكره المتن من دم البراغيث ونحوه أو عام فيه وفيما ذكره من بول الخفاش وروثه ، وعليه فيكون تقييد الشارح له بالقليل بناء على كلام الرافعي فيه نظر ، والأقرب الثاني ، ويوجه بعموم الابتلاء به ، وقد يستفاد ذلك من قول المنهج وونيم ذباب بجعل المعنى فيه ونحو ونيم ذباب مما عمت به البلوى . وفي سم عليه فرع : وقع من م ر أنه وافق بعض السائلين على أن من جملة العفو مع الاختلاط بماء الأكل أن تكون بأصابعه أو كفه نجاسة معفو عنها فيأكل بأصابعه أو كفه من إناء فيه مائع فليتأمل فإنه مشكل ، ولم يوافق على جواز وضع يده في نحو إناء لإخراج ما فيه من المأكول ليؤكل خارجه كإخراج الإدام من إنائه في إناء آخر ثم أكله فليحرر . انتهى .

                                                                                                                            وكتب على حج ما نصه : قوله : لم يحتج لمماسته له إلخ أخرج المحتاج لمماسته ، فيفيد أنه لو أدخل يده في إناء فيه ماء قليل أو مائع أو رطب لإخراج ما يحتاج لإخراجه لم ينجس انتهى . ومن ذلك ماء المراحيض ، وإخراج الماء من زير الماء مثلا فتنبه له ( قوله : وغاب على الثوب ) أي بأن عمه ( قوله : خلافا للأذرعي ) أي حيث قيد بماء لم يعم الثوب ( قوله : كذرق الطيور ) أي فيعفى عنه حيث لم يتعمد المشي عليه ولم يكن ثم رطوبة له أو لما يلاقيه ، وعم المحل كما تقدم ( قوله : ومحل ذلك ) أي العفو عن الكثير ( قوله : في ثوب ملبوس ) أي ولو لبسه للتجمل ولو كان عنده غيره خاليا من ذلك لا يكلف لبسه ; لأن الشارع لما عفا عما فيه من الدم صار كالطاهر ( قوله : كأن قتلها في ثوبه ) ظاهره ، وإن تكرر ذلك منه كأن قتل مرة بعد مرة واجتمع من جملة ذلك دم في أظفاره فيعفى عن القليل ، لكن سيأتي بعد قول المصنف ولو فعل في صلاته غيرها بطلت إلخ أنه لا يضر قتله لنحو قملة في الصلاة لم يحمل جلدها ولا مسه ، وهي ميتة ، وإن أصابه قليل من دمها فيتقيد ما هنا بذلك فيقال محل العفو عن قليل دم نحو البراغيث ما لم يمس جلدها ، وهي ميتة : يعني مع الرطوبة من أحد الجانبين ، ومن الرطوبة ما يعلق من دمها بأصبعه مثلا ، ومن هنا يتعذر العفو عن القليل الحاصل بقتله ، إذ لا يمكن عادة قتل قملة بيده من غير مماسة لجلدها .

                                                                                                                            وفي حج : ولو حمل ميتة لا دم لها سائل في بدنه أو ثوبه ، وإن لم يقصد كقمل قتله فتعلق جلده بظفره أو ثوبه ، فمن أطلق أنه لا بأس بقتله في الصلاة يتعين أن مراده ما لم يحمل جلده . انتهى . ويؤخذ منه أن مجرد مسه في غير الصلاة لا يضر في العفو عن دمه ، وهو قريب ; لأن منشأ العفو المشقة ، وهي حاصلة فيما لو اشترط في العفو عن الدم [ ص: 31 ] القليل عدم المس بل معه لا تكاد توجد صورة للعفو . وفي فتاوى الشارح ما نصه : سئل رضي الله عنه عن رجل يقصع القمل على ظفره بفعله فهل والحالة هذه يعفى عن دمه لو كثر كخمسة إلى عشرين والحال إذا خالط الدم مع الجلد ولو كان قليلا هل يعفى عنه ؟ فأجاب يعفى عن قليل دم في الحالة المذكورة لا كثيره لكونه بفعله ومماسة الدم للجلد لا تؤثر . انتهى . ويبقى الكلام فيما إذا مرت القملة بين أصابعه هل يعفى عنه أو لا ؟ والأقرب عدم العفو ; لكثرة مخالطة الدم للجلد ( قوله : أو حمل نحو براغيث ) أي ليس من لباسه ولو للتجمل ، وإن كان حمله لغرض كالخوف عليه .

                                                                                                                            ( قوله : وهو محمول على عدم احتياجه ) ومن الحاجة أن يخشى على نفسه الضرر إذا نام عريانا ولا يكلف إعداد ثوب لينام فيه لما فيه من الحرج ( قوله : في ماء قليل نجسه ) أي حيث لم يحتج لذلك ، فلو أدخل يده لإخراج ما في الإناء أو الأكل منه ، وهي متلوثة بدم البراغيث لم يضر كما ذكرناه عن سم ( قوله : وغسل ) ولو للتبرد ( قوله : وحلق ) أي وماء حلق ولا يضر لبسه للثوب الذي فيه دم براغيث بعد غسل التبرد ( قوله : وسائر ما احتيج إليه ) منه ما ذكرناه عن سم على حج . ومنه أيضا ما لو مسح وجهه المبتل بطرف ثوبه ولو كان معه غيره ، وليس منه فيما يظهر ماء الورد ، وماء الزهر فلا يعفى عنه إذا رش على ثيابه قليلا كان أو كثيرا ; لأنه لم تدع إليه حاجة ، والذي يرش عليه ذلك بسبيل من منع من يريد الرش منه عليه فتنبه له فإنه دقيق ، ومحل ذلك لم يحتج إليه لمداواة عينه مثلا ( قوله : ولا يكلف تنشيف البدن ) أي ولو من غسل قصد به مجرد التبرد أو التنظف ومن ذلك ما لو عرق بدنه فمسحه بيده المبتلة ( قوله : خراج ) بالتخفيف ( قوله : وقيل إن عصره فلا ) وكالعصر ما لو بجره أو وضع عليه لصوقا ; ليخرج ما فيه من [ ص: 32 ] المدة وانفتح بذلك .

                                                                                                                            ( قوله : وإلا فكدم الأجنبي فلا يعفى إلخ ) قال سم على حج : اعلم أنه ، وإن كان المتبادر أن نائب فاعل يعفى ضمير المشبه ; لأنه الموافق لكون المقصود بالتشبيه بيان حكم المشبه لكونه مجهولا ، وكون حكم المشبه به معلوما مستقرا ، إلا إن كان في عبارة المصنف مانع من ذلك ، وهو أن هذا الخلاف المذكور في قوله فلا يعفى . وقيل يعفى عن قليل إنما هو في كلام الأصحاب أصالة في دم الأجنبي الذي هو المشبه به ، ويصرح بذلك استدراك المصنف على ترجيح المحرر أنه لا يعفى بقوله والأظهر العفو عن قليل الأجنبي ، فإن هذا رد على قول المحرر لا يعفى ، فهو مصرح بأن الخلاف إنما هو في دم الأجنبي فتعين أن الضمير في يعفى للمشبه به ، وهو دم الأجنبي وامتنع كونه للمشبه أو لهما . فإن قلت : التشبيه لا يتفرع عليه بيان حكم المشبه به . قلت : الفاء لمجرد العطف لا للتفريع وكأن المصنف قال : وإلا فكدم الأجنبي ودم الأجنبي لا يعفى عنه . وقيل يعفى عن قليله فيجري ذلك فيما ذكروا . إذا علمت ذلك علمت أن الصواب رجوع الضمير للمشبه به كما فعله به المحقق المحلي فلله دره ، وأن الشارح لم يصب فيما فعل ولا في قوله ، وهذا أولى إلخ ، وأن ذلك نشأ عن عدم تأمل كلام المصنف وسياقه فتأمل ( قوله : من المشبه ) هو قول المصنف والدماميل والقروح إلخ ، وقوله والمشبه به هو قول المصنف فكدم الأجنبي .

                                                                                                                            ( قوله : غير نحو كلب ) أي ما لم يختلط بأجنبي لم تمس الحاجة إليه على ما مر ( قوله : ما لم يكن بفعله ) ومنه ما يقع من وضع لصوق على الدمل ليكون سببا في فتحه ، وإخراج ما فيه فيعفى عن قليله دون كثيره ، وأما ما يقع كثيرا من أن الإنسان قد يفتح رأس الدمل بآلة قبل انتهاء المدة فيه مع صلابة المحل ثم تنتهي مدته بعد فيخرج من المحل المنفتح دم كثير ، أو نحو قيح فهل يعفى عن ذلك ، ولا يكون بفعله لتأخر خروجه عن وقت الفتح أو لا ; لأن خروجه مترتب على الفتح السابق ؟ فيه نظر ، والأقرب الثاني لما ذكر .

                                                                                                                            ( قوله : أي إن كثر ) يتأمل هذا مع قوله قبل وكثيرها من نفسه ، إلا أن يقال : ما هنا مفروض فيما [ ص: 33 ] لو كان تدفقه بفعله بأن فتح الدمل فخرج منه ( قوله : ولو جمع لكثر ) لا يقال هذا مخالف لما مر : أي بعد ذكر القلتين بعد قول المتن : وكذا في قول نجس لا يدركه طرف فيما لا يدركه الطرف من أنه إذا وقع في مواضع متفرقة وكان بحيث لو جمع أدركه الطرف عفي عنه إن كان يسيرا عرفا ، بخلاف ما لو كثر لإمكان محل ما سبق على غير الدم ، والفرق أن جنس الدم معفو عنه في الجملة بلا ضرورة ، ولا كذلك نحو البول : أي فإنه لا يعفى عنه قليلا كان أو كثيرا ، بخلاف الدم فإنه يعفى عن قليله ، ولو كان إذا جمع كثر كما هو مقرر ( قوله : وهو الراجح ) أي فيعفى عنه .

                                                                                                                            ( قوله : فلا يعفى عن شيء منه لغلظه ) أي ما لم يتناه في القلة إلى حد لا يدركه البصر المعتدل بناء على ما اعتمده الشارح فيما مر من أن ما لا يدركه الطرف لا ينجس ، وإن كان من مغلظ ( قوله : ولو لطخ نفسه ) بأن مس شيئا من بدنه بذلك . وفي المصباح : لطخ ثوبه بالمداد وغيره لطخا من باب نفع والتشديد مبالغة . انتهى .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 30 - 31 ] قوله : لم يعف إلا عن القليل ) أي وإن كان قد حصل منه مس لجلد القملة عند قتلها في مسألتها كما يصدق به كلامه ، وهو ظاهر لا ينافيه ما يأتي له عقب قول المصنف ، ولو فعل في صلاته غيرها إن كان من جنسها بطلت من قوله ولا قتله لنحو قملة لم يحمل جلدها ولا مسه وهي ميتة وإن أصابه قليل من دمها ، إذ الكلام ثم كما هو ظاهر إنما هو في بطلان الصلاة وعدمه لا في العفو وعدمه ، والملحظ في البطلان مماسة النجاسة التي لا يعفى عنها في الصلاة ، ومنه جلد القملة خلافا لما وقع في حاشية الشيخ ( قوله : ونحو ماء وضوء إلخ ) منه كما هو ظاهر ماء الطيب كماء الورد ; لأن الطيب مقصود شرعا خصوصا في الأوقات التي هو مطلوب فيها كالعيدين والجمعة ، بل هو أولى بالعفو من كثير مما ذكروه هنا خلافا لما في الحاشية ( قوله : وحلق ) صورته أن بلل الرأس نزل على دم البراغيث كما يدل عليه السياق ، فلا ينافي ما يأتي من عدم العفو في اختلاط دم جرح الرأس ببلل الحلق [ ص: 32 ] قوله : أي إن كثر ) أي بقيده الآتي على الأثر فهو موافق لما مر قريبا لا مخالف له وإن أشار الشيخ في الحاشية إلى المخالفة [ ص: 33 ] قوله : كما أفاده الأذرعي ) عبارته وما انفصل من بدنه ثم أصابه فأجنبي ( قوله : والثاني لا يعفى عنه مطلقا ) لا حاجة إليه ; لأنه الذي تقدم في قول المصنف تبعا للرافعي فكدم الأجنبي ، فلا يعفى بناء على ما سلكه هو في تقريره من جعله قوله فلا يعفى راجعا إلى المشبه والمشبه به جميعا ، وكذا إن جعلناه راجعا للمشبه به كما سلكه الجلال ، وإنما يحتاج إليه إن جعلناه راجعا للمشبه فقط .




                                                                                                                            الخدمات العلمية