الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ولا يرد عليه خلافا لمن زعمه ما لو شك أصلى ثلاثا أم أربعا ، فإن سجوده بفرض عدم الزيادة لتركه التحفظ المأمور به ، وبفرضها لفعله المنهي عنه فيها فهو لم يخرج عنهما ( فالأول ) منهما وهو المأمور به المتروك ( إن كان ركنا وجب تداركه ) بفعله ، ولا يغني عنه سجود السهو لتوقف وجود الماهية عليه ( وقد يشرع ) ( السجود ) للسهو مع تداركه ( كزيادة ) بالكاف ( حصلت بتدارك ركن كما سبق ) بيان ذلك ( في ) ركن ( الترتيب ) وقد [ ص: 67 ] لا يشرع كما لو كان المتروك السلام ، فإذا ذكره أو شك فيه ، ولم يأت بمبطل أتى به ولو بعد طول الفصل ولا يسجد أو النية أو التحرم ، فإذا ذكره أو شك فيه استأنف الصلاة ، وما قيل من أن قوله كزيادة إلى آخره غير محتاج إليه ; لأنه معلوم من قوله أو فعل منهي عنه رد بأن المراد المنهي عنه ما ليس من أفعال الصلاة ، وهذه الزيادة من أفعالها لكن لا يعتد بها لعدم الترتيب ، وقد ينازع في الرد لما مر من شمول كلامه لمسألة الشك فيكون ذكره إيضاحا ( أو ) كان المتروك ( بعضا ) فيسجد بترك واحد مما يأتي إذ الأبعاض من الشعائر الظاهرة المختص طلبها بالصلاة ( وهو القنوت ) الراتب وهو قنوت الصبح والوتر في نصف رمضان الثاني دون قنوت النازلة ; لأنه سنة عارضة في الصلاة يزول بزوالها فلم يتأكد شأنه بالجبر ، وترك بعض القنوت ، ولو كلمة ككله ، وإن قلنا بعدم تعين كلماته ; لأنه بشروعه [ ص: 68 ] فيه يتعين لأداء السنة ما لم يعدل إلى بدله ; ولأن ذكر الوارد على نوع من الخلل يحتاج إلى الجبر ، بخلاف ما يأتي به من قبل نفسه فإن قليله ككثيره .

                                                                                                                            والمراد بالقنوت ما لا بد منه في حصوله ، بخلاف ترك أحد القنوتين كأن ترك قنوت سيدنا عمر رضي الله عنه ; لأنه أتى بقنوت تام ، وكذا لو وقف وقفة لا تسع القنوت إذا كان لا يحسنه لإتيانه بأصل القيام على ما نقل عن الوالد رحمه الله تعالى . نعم يمكن حمل ذلك على ما إذا كانت الوقفة لا تسع القنوت المعهود وتسع قنوتا ما مجزئا أما لو كانت لا تسع قنوتا مجزئا أصلا فالأوجه السجود ( أو قيامه ) أي القنوت الراتب ، وإن استلزم تركه ترك القنوت بأن لم يحسنه فإنه يسن له القيام بقدره زيادة على ذكر الاعتدال .

                                                                                                                            فإذا تركه سجد له ، وبما تقرر اندفع ما قيل إن قيامه مشروع لغيره ، وهو ذكر الاعتدال فكيف يسجد لتركه ، ولو تركه تبعا لإمامه الحنفي سجد كما صرح به في الروضة ، وقول القفال لا يسجد مبني على مرجوح ، وهو أن العبرة بعقيدة الإمام ، ولو اقتدى في الصبح بمصلي سنتها سجد فيما يظهر إن لم يتمكن من القنوت خلفه ، فإن فعله فلا ، ويحمل عليه ما ذكره [ ص: 69 ] الزركشي في خادمه تبعا للقمولي .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : فإن سجوده ) الفاء فيه للتعليل ( قوله : بالكاف ) احترز عما لو قرأ باللام ، فإنه يقتضي أن الزيادة تارة يشرع معها السجود وتارة لا ، مع أنه ليس مرادا [ ص: 67 ] بل الزيادة مقتضية للسجود أبدا ( قوله : ولم يأت بمبطل ) أي أما لو أتى به فإن كان مما يبطل عمده وسهوه كالفعل الكثير والكلام الكثير استأنف الصلاة ، وإن كان مما يبطل عمده دون سهوه ككلام قليل أتى به لظن خروجه من الصلاة سجد للسهو ثم سلم ، وسجوده ليس للتدارك بل لفعل ما يبطل عمده ( قوله : أو شك فيه ) أي وطال تردده بقدر مضي ركن على ما يأتي ( قوله : إذ الأبعاض إلخ ) عدل إلى هذا التعليل عن تعليل المحلي بأنه ذكر مقصود في محل مخصوص لما أورد عليه من شموله لأذكار الركوع ونحوه .

                                                                                                                            ويمكن أن يجاب عن المحلي بأنه أراد بالمقصود ما لا يقوم غيره مقامه ، وبالمحل المخصوص أنه لا يشرع في غير موضعه فيخرج بالمقصود السورة ، فإن المطلوب فيها ليس معينا في سورة دون غيرها ولا تشرع في غير القيام والتسبيحات ليست مخصوصة بلفظ لا يقوم غيره مقامه ولكنها تفعل في الركوع والسجود ، بخلاف القنوت فإنه لا يشرع في غير الاعتدال والتشهد الأول ، وإن تكرر بفعل الأخير لكن لا يقوم غيره مقامه ( قوله : ولو كلمة ) أي ومنها الفاء فإنك تقضي ، والواو في وإنه ، وقوله وترك : أي وإن أتى بدل المتروك بما يرادفه كمع بدل فيمن هديت .

                                                                                                                            والقياس أن مثل ذلك ما لو ترك قوله : فلك الحمد على ما قضيت أستغفرك وأتوب إليك أو شيئا منهما لما مر عن الروضة من استحباب ذلك في القنوت ويحتمل عدم السجود ، ولا يلزم من الاستحباب الورود ، وقوله من استحباب ذلك إلخ عبارة ابن حجر قبل في القنوت بعد قول المتن ، وهو : اللهم اهدني فيمن هديت إلخ نصها : وزاد العلماء فيه بعد واليت : ولا يعز من عاديت ، وإنكاره مردود لوروده في رواية البيهقي وبقوله تعالى { فإن الله عدو للكافرين } وبعد تعاليت : فلك الحمد على ما قضيت أستغفرك وأتوب إليك .

                                                                                                                            ولا بأس بهذه الزيادة بل قال جمع : إنها مستحبة لورودها في رواية البيهقي ، وذكر نحوه م ر في شرحه ( قوله : ككله ) أي ما لم يقطعه ويعدل إلى آية تتضمن ثناء ودعاء فلا سجود من جهة ترك القنوت ، بخلاف ما إذا قطعه واقتصر على ما أتى به منه ، ولو اقتصر ابتداء على قنوت عمر فلا سجود لإتيانه بقنوت كامل ، أو أتى ببعضه وبعض القنوت الآخر فينبغي أن يسجد لعدم إتيانه بواحد كامل منهما . ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            أقول : وقضيته أنه لو أتى ببعض أحدهما مع كمال الآخر لا يسجد ، وفي حاشيته على منهج فرع جمع بين قنوت الصبح وقنوت سيدنا عمر فيه فترك بعض قنوت عمر قد يتجه السجود .

                                                                                                                            لا يقال : بل عدم السجود ; لأن ترك بعض قنوت عمر لا يزيد على تركه بجملته ، وهو حينئذ لا سجود له . لأنا نقول : لو صح هذا التمسك لزم عدم السجود بترك بعض قنوت [ ص: 68 ] الصبح المخصوص ; لأنه لو تركه بجملته وعدل إلى دعاء آخر لم يسجد فتأمل ثم وافق م ر على ما قلناه ا هـ .

                                                                                                                            أقول : ولعل الفرق بين هذا وبين ما لو عدل إلى آية تتضمن دعاء وثناء أن الآية لما لم تطلب بخصوصها كانت قنوتا مستقلا فأسقط العدول إليها حكم القنوت الذي شرع فيه ، بخلاف كل من قنوت عمر وقنوت الصبح فإنه ورد بخصوصه فكانا كقنوت واحد ، والقنوت الواحد يسجد لترك بعضه ولو كلمة على ما مر ، وبقي ما لو عزم على الإتيان بهما ثم ترك أحدهما هل يسجد أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب الثاني ; لأن السنن لا تلزم إلا بالشروع فيها ( قوله : ما لم يعدل ) أي بخلاف ما إذا عدل ( قوله : وكذا لو وقف ) أي فلا يسجد ( قوله : يمكن حمل ذلك ) أي ليوافق ما يأتي من أن قيام القنوت من الأبعاض ( قوله : على ذكر الاعتدال ) وعليه فلو وقف وقفة تسع القنوت وقد ترك ذكر الاعتدال فالظاهر صرف تلك الوقفة للقنوت ، فإن تركه ذكر الاعتدال قرينة على أنه لم يرده فلا تكون الوقفة عند عدم ذكر الاعتدال إلا للقنوت ( قوله : فإذا تركه ) أي بأن لم يأت بقيام يسع قنوتا مجزئا ليوافق ما مر له ( قوله : وبما تقرر ) أي من أن القيام بعض مستقل ( قوله : كما صرح به ) أي ولو أتى به المأموم مؤلف ، وعبارة حج : ولو اقتدى شافعي بحنفي في الصبح وأمكنه أن يأتي به ويلحقه في السجدة الأولى فعل وإلا فلا ، وعلى كل يسجد للسهو ، وعلى المنقول المعتمد بعد سلام إمامه ; لأنه بتركه له لحقه سهوه في اعتقاده ، بخلافه في نحو سنة الصبح إذ لا قنوت يتوجه على الإمام في اعتقاد المأموم فلم يحصل منه ما ينزل منزلة السهو . ا هـ . أي فلا يطلب من المأموم سجود لترك إمامه القنوت لعدم طلبه من الإمام بل هو منهي عنه ، ومحل السجود أيضا ما لم يأت به إمامه الحنفي ، فإن أتى به فلا سجود ; لأن العبرة بعقيدة المأموم ، ويصرح بذلك ما قالوه فيما لو اقتصد إمامه الحنفي وصلى خلفه حيث قالوا بصحة صلاته خلفه اعتبارا بعقيدة المأموم لا بعقيدة الإمام .

                                                                                                                            وبقي ما لو وقف إمامه الحنفي وقفة تسع ذلك ولم يجهر به هل يسجد المأموم حملا له على عدم الإتيان به أو لا قياسا على ما لو سكت سكتة تسع البسملة من أنا نحمله على الكمال من الإتيان بها حتى لا يلزم الشافعي نية المفارقة ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول ، ويفرق بينهما بأن البسملة لما كانت مطلوبة منه حمل على الكمال بخلاف القنوت ( قوله : بمصلي سنتها ) ومثلها كل صلاة لا قنوت فيها على الراجح .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : فإذا ذكره أو شك فيه استأنف الصلاة ) أي وقد صدق أنه لا سجود ( قوله : لأنه معلوم من قوله أو فعل منهي عنه ) أي فهو من القسم الثاني لا الأول ، وحينئذ فكان اللائق في الإيراد أن يقال : السجود في هذه ليس لترك المأمور بل لفعل المنهي ، [ ص: 68 ] فذكره في الأول في غير محله ( قوله : ما لم يعدل إلى بدله ) صادق بما إذا كان البدل واردا وبما إذا كان من غير الوارد ، وهو ما اقتضاه كلام الشهاب سم في حواشي التحفة لكن صرح بخلافه في حواشي شرح المنهج ، وذكر أن الشارح وافقه عليه فليراجع ( قوله : ولو تركه تبعا إلخ ) وكذا لو أتى به خلفه كما صرح به الشهاب حج [ ص: 69 ] ; لأنه بترك الإمام له لحقه سهوه في اعتقاده ( قوله : لم يسجد لتحمل الإمام ذلك ) اعتمده الزيادي ، وفي بعض نسخ الشارح أنه يسجد .




                                                                                                                            الخدمات العلمية