الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ومن شروط القدوة أيضا : أن يجمعهما موقف ، إذ من مقاصد الاقتداء اجتماع جمع في مكان كما عهد عليه الجماعات في الأعصر الخالية ، ومبنى العبادات على رعاية الاتباع ، ولاجتماعهما أربعة أحوال : إما أن يكونا بمسجد أو غيره من فضاء أو بناء ، أو يكون أحدهما بمسجد والآخر بغيره ، وقد أخذ في بيان كل ، فقال ( وإذا جمعهما مسجد [ ص: 199 ] صح الاقتداء وإن بعدت المسافة ) بينهما فيه ( وحالت أبنية ) متنافذة أبوابها إليه أو إلى سطحه كما يفهمه كلامهما خلافا لما يفهمه كلام الأنوار ولو مغلقة غير مسمرة كبئر وسطح ومنارة داخلة فيه لأنه كله مبني للصلاة ، فالمجتمعون فيه مجتمعون لإقامة الجماعة مؤدون لشعارها ، والمساجد المتنافذة مثله في ذلك وإن انفرد كل منها بإمام ومؤذن وجماعة ، بخلاف ما إذا كان في بناء غير نافذ كأن سمر بابه وإن كان الاستطراق يمكن من فرجة من أعلاه فيما يظهر لأن المدار على الاستطراق العادي ، وكسطحه الذي ليس له مرقى ، أو حال بين جانبيه أو بين المسجد ورحبته ، أو بين المساجد المذكورة نهر أو طريق قديم بأن سبقا وجوده أو وجودها فلا يكون كالمسجد بل كمسجد وغيره وسيأتي . علم أنه يضر الشباك ، فلو وقف من ورائه بجدار المسجد ضر كما هو المنقول في الرافعي أخذا من شرطه كالروضة والمجموع وغيرهما تنافذ أبنية المسجد ، فقول الإسنوي لا يضر سهو كما قاله الحصني .

                                                                                                                            ومثل المسجد رحبته ، وهو ما كان خارجه محوطا عليه لأجله في الأصح ولم يعلم كونها شارعا قبل ذلك أو نحوه سواء أعلم وقفيتها مسجدا أم جهل أمرها عملا بالظاهر وهو التحويط عليها وإن كانت منتهكة غير محترمة كما اقتضاه كلامهما [ ص: 200 ] وجرى عليه بعض المتأخرين ، وخرج بالرحبة الحريم ، وهو الموضع المتصل به المهيأ لمصلحته كانصباب الماء وطرح القمامات فيه فليس له حكمه فيما مر ولا في غيره ، ويلزم الواقف تمييز الرحبة من الحريم كما قاله الزركشي لتعطى حكم المسجد ، ولو حال بين المسجدين أو المساجد أو المسجد نهر طارئ بأن حفر بعد حدوثها لم يخرجها عن كونها كمسجد واحد وكالنهر فيما ذكر الطريق .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : أن يجمعهما موقف ) الأولى أن يقول مكان .

                                                                                                                            ( قوله : على رعاية الاتباع ) أي لا الابتداع ، فليس لنا إحداث صفة لم توجد في عهده عليه الصلاة والسلام إلا بدليل كالقياس على ما ثبت عنه .

                                                                                                                            ( قوله : إما أن يكونا إلخ ) بدل أو خبر لمحذوف : أي وهي أنه إما أن يكونا إلخ .

                                                                                                                            ( قوله : أو يكون أحدهما بمسجد إلخ ) وفيه [ ص: 199 ] صورتان : وذلك إما أن يكون الإمام في المسجد والمأموم خارجه ، أو بالعكس .

                                                                                                                            ( قوله : متنافذة أبوابها ) قال م ر : المراد نافذة نفوذا يمكن استطراقه عادة فلا بد في كل من البئر والسطح من إمكان المرور منهما إلى المسجد عادة بأن يكون لهما مرقى إلى المسجد حتى قال في دكة المؤذنين في المسجد : لو رفع سلمها امتنع اقتداء من بها بمن في المسجد لعدم إمكان المرور عادة انتهى سم على منهج . أقول : ومحله إذا لم يكن للدكة باب من سطح المسجد وإلا صح كما يعلم من قوله في الشارح متنافذة أبوابها إليه إلخ ، وقوله يمكن استطراقه عادة يؤخذ منه أن سلالم الآبار المعتادة الآن للنزول منها لإصلاح البئر وما فيها لا يكتفى بها ، لأنه لا يستطرق منها إلا من له خبرة وعادة بنزولها ، بخلاف غالب الناس فتنبه له .

                                                                                                                            ( قوله : أو إلى سطحه ) أي وإن خرج بعض الممر عن المسجد حيث كان الباب في المسجد كما هو الفرض ولم تطل المسافة عرفا فيما يظهر .

                                                                                                                            ( قوله : ولو مغلقة ) أي وإن ضاع مفتاح الغلق لأنه يمكن فتحه بدونه ، ومن الغلق القفل فلا يضر .

                                                                                                                            [ فرع ] سئل شيخنا الرملي عمن يصلي على سلم المدرسة الغورية خلف إمامها هل يصح اقتداؤه به ؟ فأفتى بأنه إن ثبت أن واقفها وقفها مسجدا أو جامعا صح وإلا فلا م ر ا هـ . ويدخل تحت قوله وإلا فلا ما إذا شك ا هـ : أي والمشهور الآن فيما بينهم أن السلم مع الفسحة الملتصقة به عن يسار الداخل ليست مسجدا .

                                                                                                                            ( قوله : غير مسمرة ) ظاهره سواء كان ذلك في الابتداء أو في الأثناء ، وينبغي عدم الضرر فيما لو سمرت في الأثناء أخذا مما يأتي فيما لو بني بين الإمام والمأموم حائل من أنه لا يضر ، وعلله بأنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء .

                                                                                                                            ( قوله : ومنارة داخلة فيه ) عبارة ابن حجر ومنارته التي بابها فيه ا هـ .

                                                                                                                            وقضيتها أن مجرد كون بابها فيه كاف في عدها من المسجد وإن لم تدخل في وقفيته وخرجت عن سمت بنائه ، وما قلناه فيما لو خرج بعض الممر عن المسجد موافق له .

                                                                                                                            ( قوله : فلا وقف من ورائه بجدار المسجد إلخ ) أي والحال أن الشباك من جملة الجدار لأن هذا محل خلاف . الإسنوي .

                                                                                                                            ( قوله : فقول الإسنوي لا يضر ) أي الشباك .

                                                                                                                            ( قوله : ومثل المسجد رحبته ) أي في صحة اقتداء من فيها بإمام المسجد وإن بعدت المسافة وحالت أبنية نافذة .

                                                                                                                            ( قوله : وهو ما كان خارجه محوطا إلخ ) وإن كان بينهما طريق ا هـ ابن حجر ، وظاهر أن الطريق إن كان قديما على الرحبة والمسجد كانا المسجد وغيره كما مر وإلا فلا ، وذكر مراعاة للخبر أو لتأويل الرحبة بالمكان .

                                                                                                                            [ ص: 200 ] قوله : نهر طارئ ) أي تيقن طروه ، بخلاف ما لو شك سم على منهج : أي فلا يكونان كالمسجد الواحد ، وعلى هذا فحكم الطريق يخالف حكم الرحبة في صورة الشك لما مر في قول الشارح سواء أعلم وقفيتها مسجدا أم جهل أمرها عملا بالظاهر



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : أو إلى سطحه ) أي الذي هو منه كما هو ظاهر مما يأتي : أي والصورة أن السطح نافذ إلى المسجد أخذا من شرط التنافذ الآتي فليراجع ( قوله : كبئر إلخ ) مثال للأبنية .




                                                                                                                            الخدمات العلمية