الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولا يشترط للإمام ) في صحة القدوة به في غير الجمعة ( نية الإمامة ) [ ص: 212 ] والجماعة لكونه مستقلا بخلاف المقتدي لتبعيته له ، أما في الجمعة فتلزمه نية الإمامة مع التحرم إن لزمته الجمعة ولو زائدا على الأربعين وإلا فلا تنعقد له ، فإن لم تلزمه وأحرم بها وهو زائد عليهم اشترطت أيضا وإلا فلا ، ومر في المعادة أنه تلزمه فيها نية الإمامة ومثلها في ذلك المنذورة جماعة إذا صلى فيها إماما فهي كالجمعة أيضا ( ويستحب ) له نية الإمامة للخروج من خلاف الموجب لها وليحوز فضيلة الجماعة ، فإن لم ينوها ولو لعدم علمه بالمقتدين لم تحصل له ، وإن حصلت لهم بسببه وإن نواها في الأثناء حازها من حين نيته ، ولا تنعطف على ما قبلها وفارق ما لو [ ص: 213 ] نوى صوم نفل قبل الزوال حيث أثيب على الصوم من أول النهار بأن صومه لا يمكن أن يتبعض صوما وغيره ، بخلاف الصلاة فإنه يمكن تبعيضها جماعة وغيرها ، وإنما اعتد بنية الإمامة مع التحرم ولم يدخل في الصلاة فضلا عن كونه إماما لأنه سيصير إماما ، ولهذا قال الأذرعي : إن القول بعدم صحتها معه غريب ، ويبطله وجوبها على إمام الجمعة عند التحرم ( فإن ) ( أخطأ ) الإمام ( في تعيين تابعه ) ولم تكن صلاته جمعة أو ما في معناها كأن نوى الإمامة بزيد فتبين أنه عمرو ( لم يضر ) إذ خطؤه في النية لا يزيد على تركها وهو جائز له ، أما لو نوى ذلك في الجمعة أو ما ألحق بها فإنه يضر ، لأن ما يجب التعرض له جملة أو تفصيلا يضر الخطأ فيه كما مر .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : في صحة القدوة ) كلامهم كالصريح في حصول أحكام الاقتداء كتحمل السهو والقراءة بغير نية الإمامة ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            وفيه وقفة والميل إلى خلافه ، ووجه بأنه لا وجه للحوق سهو الإمام له مع انتفاء القدوة في نفس الأمر كما لو بان الإمام محدثا ، وأما حصول فضيلة الجماعة فلوجود صورتها ، اللهم إلا أن يقال : يفرق بين هذا وبين المحدث بأن المحدث ليس في صلاة ألبتة فلم يكن أهلا للتحمل ولحوق السهو ، بخلاف هذا فإنه لما كانت صلاته صحيحة وكان فيه أهلية الإمامة صلح لثبوت أحكام الجماعة في حقه وحق من اقتدى به ، ومع ذلك ففيه شيء ( قوله : نية الإمامة ) لو حلف لا يؤم فأم من غير نية الإمامة لم يحنث كما ذكره القفال ، وقال غيره بالحنث لأن مدار الأيمان غالبا على العرف وأهله يعدونه مع عدم نية الإمامة إماما ا هـ حج في الإيهاب شرح العباب .

                                                                                                                            وظاهر كلامه ترجيح الثاني حيث وجهه . أقول : والأقرب الأول ، ويعلل بأنه حلف على فعل نفسه وحيث لم ينو الإمامة فصلاته فرادى أخذا مما قالوه فيما لو حلف لا يدخل محل كذا فحمل وأدخل حيث قالوا فيه بعدم الحنث ، ومنه ما لو دخلت به دابته بغير اختياره ولم يمكنه ردها محلا حلف لا يدخله ، ومنه أيضا ما لو حلف لا يدخل محل كذا فحمله ابنه لا يحنث ، وإن أمكنه التخلص منه بأن علم أنه يطيعه لو أمره ما لم يكن أذنه فإنه يحنث ، وبقي ما لو [ ص: 212 ] كانت صيغة حلفه لا أصلي إماما هل يحنث أم لا ؟ فيه نظر .

                                                                                                                            والأقرب الثاني لأن معنى لا أصلي إماما : لا أوجد صلاة حالة كوني إماما ، وبعد اقتداء القوم به بعد إحرامه منفردا إنما يوجد منه إتمام الصلاة لا إيجادها ، بل ينبغي أنه لا يحنث أيضا لو نوى الإمامة بعد اقتدائهم به لما مر أن الحاصل منه إتمام لا إيجاد ( قوله فتلزمه نية الإمامة مع التحرم ) ويأتي فيها ما تقدم في أصل النية من اعتبار المقارنة لجميع التكبير .

                                                                                                                            ( قوله : ومثلها في ذلك المنذورة ) أي فلو لم ينو الإمامة لم تنعقد ، وفيه نظر لأنه لو صلاها منفردا انعقدت وأثم بعدم فعل ما التزمه ، ويجب عليه إعادتها بعد في جماعة ولو بعد خروج الوقت ، ويكتفي بركعة فيما يظهر خروجا من عهدة النذر على ما ذكره في الروض وشرحه في باب النذر ، والقياس انعقادها حيث لم ينو الإمامة فرادى ، لأن ترك نية الإمامة لا يزيد على فعلها منفردا ابتداء .

                                                                                                                            ( قوله : جماعة ) أي والمجموعة جمع تقديم بالمطر والمراد الثانية كما هو ظاهر ، لأن الأولى تصح فرادى .

                                                                                                                            وقال سم على منهج ما حاصله : أنه لا تجب نية الإمامة في المجموعة لأن الكلام فيما يتوقف على نية الإمامة صحة الصلاة مطلقا ، ومسألة الجمع ليست كذلك إلى آخر ما ذكر ، وفيه نظر . وعبارته في باب صلاة المسافر على حج : تنبيه : ينبغي الاكتفاء بالجماعة عند انعقاد الثانية وإن انفردوا قبل تمام ركعتها الأولى ، ولا بد من نية الإمام الجماعة أو الإمامة وإلا لم تنعقد صلاته .

                                                                                                                            [ فرع ] رجل شرط عليه الإمامة بموضع هل يشترط نيته الإمامة ؟ يحتمل وفاقا لما أجاب به م ر عن ذلك حين سئل عنه في درسه مشافهة لا تجب ، لأن الإمامة حاصلة : أي لأن الإمامة كونه متبوعا للغير في الصلاة مربوطا صلاة الغير به ، وذلك حاصل بالجماعة للمأمومين وإن لم ينو الإمام الإمامة بدليل انعقاد الجمعة خلف من لم ينو الإمامة إذا كان من غير الجمعة ونوى غيرها ، وإنما لم تحصل له الجمعة إذا كان من أهلها ولم ينو الإمامة ، لأن الجماعة شرط في الجمعة فلا تحصل إلا بنيتها ، وفرق بين الجماعة والإمامة تأمل سم على منهج .

                                                                                                                            [ فرع ] المتبادر من كلامهم أن من نوى الإمامة وهو يعلم أن لا أحد ثم يريد الاقتداء به لم تنعقد صلاته لتلاعبه وأنه لا أثر لمجرد احتمال اقتداء جنى به . نعم إن ظن ذلك لم يبعد جواز نية الإمامة أو طلبها ، ثم رأيته في شرح العباب قال : أي الزركشي : بل ينبغي نية الإمامة وإن لم يكن خلفه أحد إذا وثق بالجماعة ا هـ .

                                                                                                                            وقد يقال : يؤخرها لحضور الموثق بهم ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            وقوله اقتداء جنى أي أو ملك .

                                                                                                                            ( قوله : حازها من حين نيته ) بخلاف ما لو أحرم والإمام في التشهد فإن جميع صلاته جماعة ، ويفرق بأن الجماعة وجدت هنا في أول صلاته [ ص: 213 ] فاستصحب بخلافه هناك ا هـ سم على منهج .

                                                                                                                            ( قوله : من أول النهار ) ولو بيت الصبي النية في رمضان ثم بلغ في أثناء اليوم أثيب عليه جميعه ثواب الفرض ، كذا قرره شيخنا الشيخ الشوبري وذكر أنه منقول ، وعليه فيفرق بينه وبين ما اقتضاه كلام الشارح فيما مر من أنه إذا بلغ في أثناء الصلاة يثاب على ما بعد البلوغ ثواب الفرض وما قبله ثواب النفل بأن الصلاة من حيث اشتمالها على ركعات يمكن وقوع بعضها في حد ذاته فرضا وبعضها نفلا فجعل ثوابها كذلك ، ولا كذلك الصوم فإنه لا يمكن تجزئة اليوم بحيث يصوم بعضه نفلا متميزا عن باقيه ، فجعل ثوابه بصفة واحدة وغلب جانب الفرض لأنه حصل به سقوط الطلب عنه بعد تكليفه .

                                                                                                                            ( قوله : ولم يدخل ) أي والحال أنه لم يدخل إلخ . ( قوله : فإنه يضر ) ومحله في الجمعة حيث كان من الخطأ فيه من الأربعين



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 212 ] وقوله : ومثلها في ذلك المنذورة ) أي بأن نذر بأن يصلي كذا من النفل المطلق جماعة كما هو ظاهر من جعلها كالجمعة التي النية المذكورة شرط لصحتها ، وفي حاشية الشيخ حملها على الفريضة ، ولا يخفى ما فيه إذ ليست النية شرطا في انعقادها فلا تكون كالجمعة ، بخلاف النفل المنذور جماعة فإن شرط انعقاده بمعنى وقوعه عن النذر ما ذكر فتأمل .




                                                                                                                            الخدمات العلمية