الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            وتصح العشاء خلف التراويح كما لو اقتدى في الظهر بالصبح ، فإذا سلم الإمام قام ليتم صلاته والأولى له إتمامها منفردا ، فإن اقتدى به ثانيا في ركعتين أخريين من التراويح جاز كمنفرد اقتدى في أثناء صلاته بغيره .

                                                                                                                            وتصح الصبح خلف العيد والاستسقاء وعكسه لتوافق نظم أفعالهما ، والأولى له أن لا يوافقه في التكبير الزائد إن صلى الصبح خلف العيد أو الاستسقاء ، ولا في تركه أيضا إن عكس اعتبارا بصلاته ، ولا تضر موافقته في ذلك لأن الأذكار لا يضر فعلها وإن لم تندب ولا تركها وإن ندبت ، وليس في الاستسقاء استغفار كما يأتي في بابه فمن عبر بقوله لا يوافقه في الاستغفار : أي على القول به إن ثبت أن فيه قولا وإلا فهو وهم سرى له من الخطبة إلى الصلاة ( وإن أمكنه ) أي من صلى الصبح خلف غيرها ( القنوت في الثانية ) بأن وقف إمامه يسيرا ( قنت ) استحبابا تحصيلا للسنة مع عدم المخالفة ( وإلا ) أي وإن لم يمكنه ( تركه ) ندبا خوفا من التخلف ، لا يسجد للسهو لتحمل الإمام له عنه كما هو القياس خلافا للإسنوي حيث زعم أن القياس سجوده ( وله فراقه ) بالنية ( ليقنت ) تحصيلا للسنة ولا كراهة فيه لعذره كما مر ، فلو لم ينو مفارقته وتخلف للقنوت أدركه في السجدة الأولى لم يضر ، ويفارق التشهد الأول بأنهما هنا اشتركا في الاعتدال فلم ينفرد به المأموم وثم انفرد بالجلوس ، ولا يرد على الفرق ما لو جلس إمامه للاستراحة في ظنه لأن جلسة الاستراحة هنا غير مطلوبة فلا عبرة بوجودها ، وظاهر كلام الشيخين وغيرهما هنا وأدركه في السجدة الأولى أنه لو لم يدركه فيها بطلت صلاته ، غير أنه ينافيه إطلاقهم الآتي أن التخلف بركن لا يبطل . لا يقال : هذا فيه مخالفة فاحشة ، وقد قالوا لو خالفه في سنة فعلا أو تركا وفحشت المخالفة كسجود التلاوة والتشهد الأول بطلت صلاته ، والتخلف للقنوت من هذا ; لأنا نقول : لو كان من هذا لقلنا ببطلان صلاته بهوي إمامه إلى السجود على ما أفتى به القفال ، وقد رجحنا [ ص: 218 ] خلافه فتعين أن التخلف للقنوت ليس من ذلك ، ويفرق بأن المتخلف لنحو التشهد الأول أحدث سنة يطول زمنها ولم يفعلها الإمام أصلا ففحشت المخالفة ، وأما تطويله للقنوت فليس فيه إحداث شيء لم يفعله إمامه فلم تفحش المخالفة إلا بالتخلف بتمام ركنين فعليين كما أطلقوه .

                                                                                                                            والحاصل أن الفحش في التخلف للسنة غيره في التخلف بالركن ، وأن الفرق أن إحداث ما لم يفعله إمامه مع طول زمنه فحش في ذاته فلم يحتج لضم شيء إليه ، بخلاف مجرد تطويل ما فعله إمامه فإنه مجرد صفة تابعة فلم يحصل الفحش به بل بتكرره ، فلم يؤثر منه إلا توالي ركنين تامين فليتأمل .

                                                                                                                            وحينئذ فقولهم هنا إذا لحقه في السجدة الأولى قيد لعدم الكراهة ، فلا بطلان حتى يهوي للسجدة الثانية ، وعلى هذا يحمل قول الزركشي المعروف عند الأصحاب إن التخلف للقنوت مبطل بدليل قوله في محل آخر وقد حكى الخلاف في ذلك لا خلاف ، بل القول بالبطلان مصور بما إذا فحشت المخالفة : أي بأن تأخر بركنين ، وكلام الرافعي ليس مفروضا فيه ويشهد لذلك قوله : إذا لحقه على القرب ( فإن اختلف فعلهما كمكتوبة وكسوف أو جنازة ) أو سجدة تلاوة أو شكر كما قاله البلقيني ( لم يصح ) الاقتداء في ذلك ( على الصحيح ) لمخالفته النظم وتعذر المتابعة معها . نعم يظهر صحة الاقتداء في الشكر بالتلاوة وعكسه . والثاني يصح لإمكانها في البعض ، وعليه رعاية ترتيب نفسه ولا يتابعه ، ففي الجنازة إذا كبر الإمام الثانية تخير بين مفارقته وانتظاره سلامه ولا يتابعه في التكبيرات وفي الكسوف تابعه في الركوع الأول ثم يرفع ويفارقه أو ينتظره راكعا إلى أن يركع ثانيا ويعتدل ويسجد معه ، ولا ينتظره بعد الرفع لما فيه من تطويل الركن القصير ، ولا فرق في عدم الصحة بين أن يعلم نية الإمام لها أو يجهلها وإن بان له ذلك قبل التكبيرة الثانية من صلاة الجنازة خلافا للروياني ومن تبعه . نعم إن كان الإمام في القيام الثاني فما بعده من الركعة الثانية من صلاة الكسوف صحت القدوة كما بحثه ابن الرفعة ، وتبعه جمع ويدل له تعليلهم عدم الصحة بتعذر المتابعة ولا تعذر فيها هنا ، والأوجه استمرار المنع في الجنازة وسجدتي الشكر والتلاوة إلى تمام السلام ، إذ موضوع الأولى على المخالفة إلى الفراغ منها بدليل أن سلامها من قيام ولا كذلك غيرها ، وأما في الأخيرتين فلأنهما ملحقان بالصلاة وليستا منها مع وجود المخالفة . لا يقال : ينبغي صحة القدوة بمصلي الكسوف ونحوه لأن الاقتداء به في القيام ولا مخالفة فيه ، ثم إذا انتهى إلى الأفعال المخالفة فإن فارقه استمرت الصحة وإلا بطلت ، كمن صلى في ثوب ترى عورته منه عند ركوعه ; لأنا نقول : لما تعذر الربط بتخالف النظم مع انعقادها لربطه صلاته [ ص: 219 ] بصلاة مخالفة لها في الماهية فكان هذا القصد ضارا ، وليس كمسألة من ترى عورته إذا ركع لأنه يمكنه الاستمرار بوضع شيء يستر عورته فافترقا ، أما لو صلى الكسوف كسنة الصبح صح الاقتداء بها مطلقا .

                                                                                                                            ولو وجد مصليا جالسا وشك أهو في التشهد أو القيام لعجزه فهل له أن يقتدي به أو لا ، وكذا لو رآه في وقت الكسوف وشك في أنه كسوف أو غيره . قال الزركشي وابن العماد : المتجه عدم الصحة ، لأن المأموم بعد الإحرام لا يعلم هل واجبه الجلوس أو القيام ، فإن ترجح عنده أحد الاحتمالين كأن رآه يصلي مفترشا أو متوركا فله أن يحرم معه ويجلس ، هذا إن كان فقيها ، فإن لم يكن فقيها لا يعرف هيئات الجلسات فكما لو لم يغلب على ظنه شيء ويصح الفرض خلف صلاة التسبيح كما جزم به بعضهم ، ونقل عن الكفاية : ولا تجب المفارقة في الاعتدال بل يجب انتظاره في السجود فيما يظهر ، وعلم من كلامه فيما مر في سجود السهو والتلاوة أنه يشترط أيضا لصحة الاقتداء به موافقة الإمام في سنن تفحش المخالفة فيها فعلا وتركا كسجدة تلاوة وسجود سهو وتشهد أول وقيام منه ، فإن خالفه فيها عامدا عالما بطلت صلاته على ما مر . نعم لا يضر تخلف لإتمامه بشرطه الآتي في شرح قوله فإن لم يكن عذر بخلاف نحو جلسة الاستراحة .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : كما لو اقتدى في الظهر إلخ ) هذه علمت من قول المصنف والمفترض بالمتنفل ، لكنه ذكرها توطئة لقوله : والأولى له إلخ .

                                                                                                                            ( قوله : اعتبارا بصلاته ) قد يشكل هذا على ما في صلاة العيد من أن العبرة بصلاة الإمام حتى لو اقتصر على ست في الأولى وثلاث في الثانية تابعه فيها ، وقد يفرق بأن الإمام والمأموم اشتركا ثم في أصل التكبير وإنما اختلفا في صفته ، فلما طلبت متابعة المأموم لإمامه في أصل التكبير استصحب ذلك فتبعه في صفته ولا كذلك هنا .

                                                                                                                            ( قوله : وأدركه في السجدة الأولى ) أو الجلوس بين السجدتين على ما يأتي في قوله غير أنه ينافيه إطلاقهم إلخ .

                                                                                                                            ( قوله : ويفارق التشهد الأول ) أي حيث قلنا بالبطلان للتخلف له ( قوله : للاستراحة في ظنه ) أي المأموم : أي فإنه يلزمه المفارقة مع مشاركته له في الجلوس .

                                                                                                                            ( قوله : غير مطلوبة ) بل ولو كانت مطلوبة لا يختلف الحكم لما مر فيمن صلى المغرب خلف العشاء مثلا من أنه تجب عليه نية المفارقة وإن جلس إمامه للاستراحة .

                                                                                                                            ( قوله : وظاهر كلام الشيخين ) أي قول الشيخين .

                                                                                                                            ( قوله : غير أنه ينافيه إطلاقهم ) معتمد .

                                                                                                                            [ ص: 218 ] قوله : فلا بطلان ) هذا علم من قوله أولا غير أنه ينافيه إطلاقهم إلخ ، ولعله ذكره لأجل قوله قيد لعدم الكراهة إلخ ( قوله ففي الجنازة ) تفريع على الثاني .

                                                                                                                            ( قوله : كما بحثه ابن الرفعة ) قال شيخنا الزيادي بعد ما ذكر : وقضيته حصول الركعة وهو المعتمد .

                                                                                                                            ( قوله : ولا تعذر فيما هنا ) ويؤخذ من ذلك صحة الاقتداء في سجود التلاوة أو الشكر بمن في السجدة الأخيرة من الفرض ، ثم رأيت في حج ما يوافقه وعبارته : ومثلهما : أي مثل ثاني قيام ركعة الكسوف الثانية ، وآخر تكبيرات الجنازة في الصحة ما بعد السجود فيما قاله [ ص: 219 ] البلقيني ا هـ .

                                                                                                                            لكن قضية قول الشارح بعد والأوجه إلخ خلافه ( قوله : صح الاقتداء بها مطلقا ) أي سواء كان في الركعة الأولى أو غيرها .

                                                                                                                            ( قوله : المتجه عدم الصحة ) معتمد .

                                                                                                                            ( قوله : فله أن يحرم معه ) أي فلو تبين خلاف ظنه فالظاهر تبين صحة الصلاة كما في فتاوى والد الشارح ( قوله فكما لو لم يغلب إلخ ) أي فيمتنع الاقتداء به ( قوله : بل يجب انتظاره في السجود ) أي إن لم ينو المفارقة كما مر نظيره فيما لو اقتدي بمن يرى تطويل الاعتدال ، ومحل ذلك إن لزم من موافقته تطويل لاعتدال المأموم . أما لو لم يلزم عليه ذلك كأن اشتغل الإمام بالتسبيح عقب الرفع من الركوع ولم يزد زمنه على زمن دعاء المأموم في الاعتدال لم تضر موافقته .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 217 ] قوله : بأن وقف إمامه يسيرا ) هذا التصوير لندب الإتيان بالقنوت ( قوله : ندبا ) أي وله فراقه كما سيأتي ( قوله : لم يضر ) أي بالنسبة للكراهة كما يأتي وهو مخالف للسنة كما علم مما مر ويأتي ( قوله : في ظنه ) أي الإمام إما لجهله بالحكم أو لاعتقاده أن التي يقوم إليها ثانية مثلا وما في حاشية الشيخ من رجوع الضمير للمأموم ليس في محله ( قوله : وأدركه ) بدل من كلام أو يقدر له قول ( قوله : غير مطلوبة ) يوهم أنها لو كانت مطلوبة لم يضر وليس كذلك كما علم مما مر [ ص: 218 ] قوله : أحدث سنة ) وهي الجلوس للتشهد ( قوله : والحاصل أن الفحش في التخلف للسنة ) أي الجلوس للتشهد بقرينة ما مر ، وإلا فهو في مسألة القنوت أيضا متخلف لسنة ، وإنما عبر هنا باللام وفيما بعده بالباء للإشارة للفرق بينهما بما يؤخذ مما ذكرته ( قوله : بل بتكرره إلخ ) عبارة التحفة بل بانضمام ركنين تامين إليه ( قوله : قيد لعدم الكراهة ) أي ولندب القنوت كما قاله الشهاب سم ( قوله : لأنا نقول لما تعذر الربط إلخ ) عبارة التحفة يرد بأن الربط مع تخالف النظم متعذر فمنع الانعقاد ( قوله : وأيضا فقد ربط إلخ ) في نسخة لربطه صلاته إلخ ، وهي أولى وأقرب [ ص: 219 ] إلى عبارة التحفة المارة ( قوله : لأنه يمكنه الاستمرار ) هذا في الحقيقة هو محل الفرق ( قوله : يصلي مفترشا ) الأصوب حذفه ( قوله : هذا إن كان فقيها ) أي المأموم كما هو متبادر ويصح رجوعه إلى الإمام ، وظاهر أنه لا بد من هذا القيد في كل منهما ، أما الإمام فلأنه لا يستدل بأفعاله إلا إذا كان كذلك ، وأما المأموم فلأنه لا يستدل بما ذكر إلا إذا كان كذلك ( قوله : بل يجب انتظاره في السجود ) أي إن أراد الاستمرار معه وإلا فمعلوم أن له المفارقة ( قوله : الآتي في شرح قوله إلخ ) هو تابع في هذا للشهاب حج لكن ليس في كلامه ثم شرط ، وعبارة الشهاب المذكور هناك : أو لإتمام التشهد الأول إذا قام إمامه وهو في أثنائه انتهت .

                                                                                                                            ومراده بالشرط الذي عبر عنه هو هنا بالقيد قوله : إذا قام إمامه وهو في أثنائه : أي بعد أن فعله الإمام كما علم مما مر وأفصح عنه الشهاب سم في حاشيته عليه فيما يأتي ، وهذا التفسير هو الشرط في الحقيقة ، وإلا فقوله : إذا قام إمامه وهو في أثنائه صادق بما إذا لم يأت به ، مع أنه تبطل صلاة المأموم بمجرد التخلف حينئذ كما مر لفحش المخالفة .

                                                                                                                            واعلم أن الكلام هنا في كون التخلف حينئذ مبطلا أو غير مبطل ، ولا خلاف فيه بين الشارح والشهاب المذكور ، وفيما يأتي في كونه : يعذر بهذا التخلف حتى يغتفر له ثلاثة أركان طويلة أو لا يعذر به ، فعند الشارح يعذر كما يأتي وعند الشهاب المذكور لا فتنبه لذلك ( قوله : بخلاف نحو جلسة الاستراحة ) محترز قوله تفحش المخالفة فيها .




                                                                                                                            الخدمات العلمية